أزمة الحكومة أم حكومة الأزمات ؟
بقلم: سعيد بنمعنان
في الوقت الذي كان من المفترض أن يهز رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول موضوع “شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين NEET” عرش رئيس الحكومة ،ويعلن حالة استنفار في صفوف وزرائه بعد الرقم المفجع الذي أعلن عنه المجلس في هذا التقرير والذي بلغ مليون ونصف شابة وشاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة برسم سنة 2023 وهو الرقم الذي يصل الى أربعة ملايين ونصف إذا أضفنا الفئة العمرية ما بين 24 و34 سنة، وجدوا أنفسهم فجأة في وضعية خارج الساكنة النشيطة بعد أن سلمت هذه الشريحة أمرها لله واختارت مكرهة بسبب الإحباط خيار الركون إلى مستنقع الفراغ والضياع،أمام ضعف ومحدودية السياسات العمومية الهادفة الى تحقيق الادماج الاقتصادي والاجتماعي للشباب ، وتعثر البرامج الحكومية الرامية الى تشجيع التشغيل الذاتي والمقاولاتي لفائدة حاملي الأفكار والمشاريع ، فضل السيد رئيس الحكومة ان يشكك بشكل لا يخلو من شيء من التعالي والازدراء في نوايا رئيس الجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فقط لان صدور التقرير حول هذا الموضوع تزامن مع تقديم الحصيلة الحكومية برسم منتصف الولاية التشريعية الحادية عشر مستغلا مناسبة تواجده بالغرفة الثانية داخل البرلمان لتقزيم أهمية الحلول المقترحة من طرف المجلس كمؤسسة دستورية لتجاوز معضلة البطالة المستدامة لهذه الفئة العريضة من الشعب المغربي.
وفي ظل التدهور الذي تعرفه حالة سوق الشغل ببلادنا، ودق ناقوس الخطر من لدن بعض المؤسسات الرسمية عبر آرائها وتقاريرها الدورية الراصدة لمؤشرات صادمة حول نسب ومعدلات البطالة في صفوف الشباب باعتباره لبنة أساسية في بناء مغرب الغذ، كما هو الشأن بالنسبة للمندوبية السامية للتخطيط التي أعلنت ان معدل البطالة بلغ 13.7 فالمئة سنة 2024 بزيادة نقطة واحدة تقريبا مقارنة بالمعدل المسجل خلال السنة الفارطة، اختارت الحكومة منطق الزهد في تنفيذ المناصب المالية المحدثة برسم قانون مالية 2023 و ترفعت عن استغلالها كالية متاحة لإنقاذ ولو جزء يسير من الشباب العاطل، حيث اقتصرت على استعمال فقط 15 فالمئة من مجموع المناصب أي 4089 منصب من أصل العدد الإجمالي الذي بلغ 27752 منصب لسنة 2023 ،مما يعني أن 23663 فرصة عمل دائمة ذهبت ادراج الرياح..
وعلى الرغم من التحديات الخارجية التي يواجهها الاقتصاد المغربي كغيره من دول المعمور إثر تداعيات وباء كورونا والتوترات الجيوسياسية الناجمة عن الحرب الروسية –الأوكرانية ، علاوة عن الإكراهات الداخلية المرتبطة بزلزال الحوز وأزمة الجفاف، فلا يمكن للحكومة أن تتخذ في كل مرة هذه الازمات متاريسا للاختباء والاحتماء من التكيف مع الوضع الراهن ومعالجة الملفات الاجتماعية الحساسة وعلى رأسها ملف التشغيل، فالنجاعة في تدبير الشأن العام لا يقاس عليها في أوقات الرخاء ، بل هي مرتبطة أساسا بقدرة الحكومة على مواجهة الازمات المتوقعة والمفاجئة التي يتعرض لها المجتمع عبر سن سياسات استباقية ومخططات استعجالية تضمن التوازن والاستقرار ..
فإذا كانت هذه الحكومة التي تتشدق بشرعيتها الانتخابية وانسجام أغلبيتها حد التماهي قدر المغاربة، وقدرها أن تزامنت مع كل هذه الازمات، فلا يمكن لها ان تنسى الامتياز الذي تحظى به من خلال تدبير الأحزاب المشكلة لها لكل القطاعات الوزارية والجماعات الترابية وتشتغل كل المؤسسات الأخرى تحت إمرتها ،مما يمكنها من تنفيذ جنتها الموعودة في برامجها الانتخابية بالأريحية اللازمة و التي لم تكن من نصيب أي حكومة منذ الاستقلال،
لذلك إن كانت الحكومة لا تفزعها المؤشرات القاتمة التي تصدرها تقارير مؤسساتها الدستورية على جميع المستويات بل وتشك في مصداقيتها أحيانا، فكيف يمكن لها أن تتفاعل مع نبض الشارع وانشغالات المواطنين، وإذا ليس لها أي أفق لتمكين الشباب العاطل اقتصاديا واجتماعيا والارتقاء به من مستنقع الفقر والهشاشة دون التحجج كالعادة بصعوبة الظروف والأزمات فما حاجة المغاربة الى الحكومة في وقت الرخاء .
عذراً التعليقات مغلقة