المعركة
بقلم: حسناء شهابي
لم يعد مقبولاً تكرار جملة من الأعذار التي باتت تشكل قاموساً فريداً يتميز به الخطاب السياسي الموجه للرأي العام بعد إخفاق كل حكومة، أو فشل كل مسؤول في مهمته. كما لم يعد مقبولا الاستمرار في مداعبة أحلام البسطاء دون سند من واقع، لأنه إذا بقينا على هذا الحال فنحن نعيد إعادة إنتاج نفس السيناريو ونفس المشهد السياسي والاجتماعي الحالي في ظرف قريب بعد الانتخابات. فعندما أخفق رئيس الحكومة في اختيار وزرائه في هذه الولاية نظرا لما ينقصها من كفاءات، يعتقد البعض أننا أمام حالات تتميز بالخلل والفشل وانعدام الكفاءة وهذا ليس صحيحاً، ويأتي هذا الخلط نتيجة لضعف البرلمان وغياب أساسيات المساءلة البرلمانية، كيف لا؟ فالحكومة تتمتع بمأمن من المساءلة السياسية أمام البرلمان فمن حق رئيسها استدعاء من يشاء من الأشخاص واقتراح من يريد بغض النظر عن درجة تأهيلهم وكفاءتهم ما دام أن أكثر عقوبة يمكن أن ينالها الوزير أو المسؤول هو إخراجه بتعديل حكومي أو نقلة إلى مكان آخر أو إحالته إلى التقاعد، مع الحرص على منح امتيازات تحفيزية تقاعدية للأسف.
بعيدا عن ضبابية المفاهيم أظن أننا نعاني من فصام في مفهوم شرعية المساءلة السياسية نظرا للخلط بين المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، و الاختلالات، قضايا الفساد، وهدر المال العام و هذا ما تستوجب مساءلة مغايرة باستبدالها بعقوبات سياسية كإلزام المسؤول بالاستقالة، أو باستثنائه من أي تشكيل، أو التعديل، أو التعيين والحرص على ربط المسؤولية بالمحاسبة وهذا أهم مبدأ من مبادئ الحكامة الرشيدة ، لكن للأسف كبرنا و بقيت الأحلام حيث بقي المشهد السياسي يجسد الريع والخروقات عندما نجد مسؤولين سياسين متورطين في قضية الفساد و ما زالوا يقبعون في رواسي السلطة إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها .ممايؤجج السخط الاجتماعي، ويثير الغضب الشعبي كمحرك أساسي لتدني الثقة العامة يتولد عنها الاستفزاز والنفور ثم العزوف.
حقل المساءلة السياسية بات كأنه حقل ألغام و يصعب الولوج له بالرغم من الاختلالات الكبيرة الموجودة و التي تظل اختلالات منظمة ومعقدة، وبعض المساءلين أقوى من أن تطالهم يد العدالة، ونظرية المؤامرة هي عنوان بارز لأي سؤال أو تساؤل عن مسؤول يتمتع بحماية سياسية أو حزبية أو غيرها .
أتمنى أن يدرك رئيس الحكومة مناطق الألم التي أثقلتها المسكنات المؤقتة .و إن كنت ما أتمناه سياسي دائما أن تسقط حكومة باختبار الثقة ولو لمرة واحدة، وأتمنى أن يمثل رئيس الحكومة أمام البرلمان ليعترف بفشله في تدبير شأن البلاد بما يحول دون تفاقم مشكلات تعرقل المسار الإصلاحي الذي انخرط فيه المغرب، و في تنفيذ مشروعه السياسي وتطبيق برنامجه الذي وعد به الناس الذين صوتوا له أو لحزبه. وكذلك رضوخه لإملاءات مراكز القوى السياسية بالضغوط التي تمارس عليه، وأن عملية تبرير القرارات والاختيارات غير المنصفة أهلكته ولعل هذا ما يدل على أهمية المساءلة السياسية، كضمانة حقيقية لإرساء الديمقراطية ودولة الحق والقانون ودولة المؤسسات. أكيد أن الوضعية السياسية تعاني من ثقل التركة لعديد من المشاكل وتعقد ملفاتها تلقي بظلالها على الحكومة المقبلة التي يجب أن تكون على استعداد لمساءلة سياسية جادة وحقيقية ببرلمان قوي وأحزاب قوية لا محل لصفقات ومجاملات ومزايدات تزيد من معاناة الشعب.
عذراً التعليقات مغلقة