الملفات الكبرى لا تُطوى بالحيل الصغيرة !!!
بقلم : سعيد بن معنان *
في مشهد سياسي غير مسبوق ، وجدت الحكومة نفسها محرجة أمام الرأي العام الوطني ، بعد أن تسرب إلى مسامع المغاربة أن ما يُقارب 13 مليار درهم (أي 1300 مليار سنتيم) من المال العام قد توزع دمها وتفرق بين مضارب استيراد المواشي، دون أن يجد المواطن المغربي لا لحما رخيصا ولا قديدا مشويا بثمن يحترم قدرته الشرائية المنهكة بغلاء الأسعار الذي لم يغادر مادة من المواد الأساسية إلا وشملها .!
ولأن المعارضة وإن وُصفت مكوناتها افتراء بالترهل والضعف ، بادرت إلى استخدام حقها الدستوري وأعلنت نيتها في تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق بعد غياب طويل لهذه الآلية الرقابية التي يمنحها الدستور للمؤسسة التشريعية أو تغييبها على الأصح منذ سنة 2010 ، وهي خطوة نبيلة من حيث الشكل والمضمون، هدفها تنوير الرأي العام و تسليط الضوء على قضية تضاربت بشأنها الأقوال بين مسؤولين حكوميين ، وكذا تفكيك خيوط هذه الصفقة المرعبة التي راكمت الأرباح عند قليل من المحظوظين، ورفعت سقف الأسعار عاليا على الأغلبية الساحقة من فقراء هذا الوطن …
لكن المفاجأة الكبرى لم تكن فقط في ضخامة المبلغ المخصص لعملية الاستيراد، بل أيضا في ردة فعل الحكومة التي يبدو أنها لم تستقبل هذه المبادرة، بروح التعاون أو حتى الفضول السياسي، بل تلقتها بنوع من التوجس، كمن طُرِق بابه في وقت القيلولة! …فبدل أن تمد يد العون لتقصي الحقيقة، أخرجت من جيبها الخلفي ورقة “المهمة الاستطلاعية” للتشويش على المبادرة المسؤولة التي تقودها مكونات المعارضة…
وعندما نعلم الفرق بين لجنة تقصي الحقائق والمهمة الاستطلاعية، بحيث تحمل الأولى سلطة الدستور، وتجبر المتورطين على المثول وأداء اليمين، ويمكن أن تفضي تقاريرها إلى أروقة القضاء… فيما تشبه الثانية زيارة مجاملة، تدون الملاحظات، وتُقدم التوصيات، ثم يغشاها النسيان في رفوف البرلمان، ندرك خوف الحكومة هذا النوع من المساءلة الذي يهدف إلى تنوير الشعب المغربي ، ربما لأنها تعرف أكثر مما تقول، وتخفى أكثر مما تبرر، ومن يدري؟…
الواقع أن المواطنات والمواطنين لم يعودوا يقتنعون بالبلاغات الوزارية المنمقة، ولا بتصريحات تبريرية تُلقى على عجل وتحت الطلب ، بل باتوا يقرؤون ما بين السطور، ويشمون روائح الحيل من بعيد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بـ13 مليارا درهم تبخرت، ولا بقرة سمينة ظهرت، ولا كبش اسباني بعبع، ولا سعر لحم انخفض..حتى بعد التدخل السامي لجلالة الملك نصره الله بإعفاء الشعب المغربي من شعيرة ذبح الأضحية، وفرحة المغاربة ببداية انخفاض سعر اللحوم بعد هذا القرار،أبت الحكومة إلا تعترض سبيل هذه الفرحة وتسرقها بقرار منع دبح الإناث من القطيع مما أعاد أسعار اللحوم إلى مستواها الأول…
اعتقد أن القضية لا تتعلق فقط بلحم الغنم والأبقار والجمال، بل بلحم الشفافية والوضوح الذي يبدو أن الحكومة تأكله نيّئا دون ملح المساءلة، فحين تُوزع الملايير بلا أثر، وتُطلق المبادرات والبرامج بلا جدوى، وتُحجب الحقيقة بذرائع شكلية، نكون أمام مأزق سياسي أخلاقي، سيهدر ما تبقى من ثقة المواطنين تجاه الفاعل السياسي ببلادنا…
صحيح ،قد تنجح الحكومة في ربح معركة لحظية( محددة في الزمن) بتأجيل عملية تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقيقة، لكنها بلا شك ستخسر جولة أخلاقية أمام الشعب، فالملفات الكبرى لا تُطوى بالحيل الصغيرة…
*عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية
عذراً التعليقات مغلقة