الهيكلة الجديدة لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة..هل يستطيع التنظيم الجديد تجاوز التحديات القديمة؟
بقلم: إبراهيم أونبارك
مفتش تربوي وباحث في إشكالية الفعل الترابي
أُسدل الستار قبيل شهرين تقريبا، عن المشروع (2.24.328) الخاص بالهيكلة الجديدة التي تعتزم وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تفعيله لإعادة تنظيم العمل اليومي بين مختلف مكاتبها المركزية على صعيد الرباط، وجاء طبعا كمحاولة للتخلص من المرسوم القديم (2.02.382) الذي أعطى بين ثناياه الهيكلة التي دامت لما يقارب العشرين سنة، رغم أنه، حسب علمي ، لا توجد دراسة تقييمية حول مكمن القوة والضعف التي تكتنف الهيكلة “القديمة” ، ما عدا كتابات صحفية وأقلام مهتمين ومختصين من هنا وهناك، تكاد تتفق جلها حول كثرة المديريات ونزول ثقل العمل على بعضها دون غيرها، وهيمنة مؤسسة الكتابة العامة على مختلف المهام وتسيير المديريات المركزية من لدن أطر عليا لا علاقة لهم بميدان التربية والتكوين، وغيرها من الانتقادات التي قد تكون حقا ذات مصداقية وموضوعية، وأحايين أخرى ذات طابع شخصي أكثر منها محاولة لإنارة الطريق نحو تحسين البناء الكلي لسيرورة العمل داخل قطاع حيوي سيكون فشله فشل أمة لا محالة.
وهكذا جاءت الهيكلة الجديدة محتفظة ببعض المديريات اسما ومضمونا ومهاما، وإضافة أخرى جديدة، أو تغيير أسماء أخرى لتليق والخطاب التربوي والتدبيري الذي بات يطرح نفسه مثل: إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة، تقوية مكانة الرقمنة في المنظومة، مفهوم التعاقد، التوجيه التربوية، التكوين المهني، جودة المؤسسات التعليمية، لتكون الهيكلة الجديدة بناء مغايرا في شكله على الأقل، بالمقارنة مع التنظيم القديم، لكن هل سيتمكن من تخطي العقبات التي ظلت تعرقل السير الجيد للتدبير الإداري والتربوي والبيداغوجي لعقود؟
1 الهيكلة الجديدة للمنظومة: ما الجديد؟
احتفظ المشروع الحالي (2.24.328) على مؤسسة الكتابة العامة، أما المفتشيات، فأشار المشروع الجديد إلى المفتشية العامة، ثم المفتشية العامة للشؤون التربوية، وبعدها ثلاث مديريات عامة هي: المديرية العامة للعمل التربوي، المديرية العامة لتنظيم الحياة المدرسية ثم المديرية العامة للتخطيط والموارد والتعاقد، إلى جانب ست مديريات تجلت بدورها كمديريات مستقلة هي: مديرية الموارد البشرية، مديرية التكوين وتنمية الكفاءات، المركز الوطني للأستاذية، مديرية الشؤون القانونية والمنازعات، مديرية الشؤون العامة، ثم مديرية التواصل والتعاون والشراكة والارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي، والذي اقتصر في الهيكلة القديمة على تسميته بـ” قسم الاتصال”، بينما خصصت مديرية مستقلة لـ ” التعاون والارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي”.
ويظهر من خلال الهيكلة المقترحة، وجود مديريات “جديدة”، أو بالأحرى تتوخى تقديم اختصاصات مغايرة عما كان سائدا في التنظيم السابق، وتلكم بعضها:
2- مديريات باختصاصات جديدة:
بدأ المرسوم بتفكيك ملحوظ لاختصاصات مديرية المناهج لتصبح بمثابة ثلاث مديريات داخل المديرية العامة للعمل التربوي( مديرية تنظيم التعليم الأولي، مديرية مناهج التعليم الابتدائي، مديرية مناهج التعليم الثانوي). لكن المديريات التي قد تجلب انتباه كل متصفح للمرسوم الحالي هو وجود مديريات ومراكز بتسميات جديدة، يتضح أنها جاءت تفعيلا للعديد من القوانين والرؤى التي رافقت إصلاح المنظومة منذ الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 مرورا بالقانون الإطار 51.17، وصولا إلى خارطة طريق 2022-2026، ومن أهم المديريات نذكر:
- مديرية التمدرس الاستدراكي والمدرسة الدامجة:
ضمن 11 مديرية التي ميزت الهيكلة السابقة، لا توجد أية مديرية منوطة بمهام إدماج الأطفال المنقطعين عن الدراسة أو أبناء المهاجرين أو فئات أخرى من هذا الصنف إلا ضمن تدخلات من مديريات وأقسام ومصالح باختصاصات ومهام غير واضحة، هيمنت عليها وكالات وجمعيات ومؤسسات ذات طبيعة محلية أو دولية، ولا علاقة لها بالمنظومة إلا من باب الشراكة. لذا، تأتي المديرية الجديدة بمهام نصبت بالأساس، حسب المادة 12، على إعداد برامج للتربية الخاصة بالأطفال غير المتمدرسين ” بمن فيهم أطفال المهاجرين” وتتبع تنزيلها، إلى جانب مهام ركزت على : الهدر، الانقطاع، الإدماج المهني، الدعم الاجتماعي، المدرسة الدامجة، وجلها نابعة من “خطاب تربوي ” يتوخى الريادة للمدرسة المغربية في ظل دولة تبتغي امتلاك الطابع الاجتماعي في تنفيذ استراتيجية تنميتها الشاملة.
- مديرية الموارد البيداغوجية والرقمية:
لم يسبق لهيكلة الوزارة أن تضمنت في مصالحها وأقسامها المركزية مفاهيم الموارد البيداغوجية والرقمية، رغم تداول المصطلح ومحاولة تجسيده من ناحية التكوين منذ المخطط الاستعجالي، لكن الهيكلة الجديدة خصص هذه المديرية وفق أهداف حددت عموما في تحديد المواصفات والمساطر القانونية المتعلقة باقتناء هذه الموارد( وهذا إن تم تفعيله بشكل جيد، سيخلصنا من العشوائية التي عرفها هذا المجال المهم داخل القطاع). كما ركزت المهام المنوطة بهذه المديرية على مسألة إنتاج الكتب المدرسية، قيادة “مشاريع تطوير واستعمال المنصات البيداغوجية الرقمية”، تصميم ووضع آليات التعلم عن بعد.
- مديرية تنظيم الحياة المدرسية والأنشطة الموازية والتوجيه المدرسي والمهني
من بين المديريات التي أضيفت في الهيكلة الجديدة، على الأقل إلى حد الآن على مستوى التسمية، لأنها شملت بين ثناياها مشاريع كبرى، ما فتئ المهتمون بالشأن التربوي ببلدنا يلحون على الربط بينها: الحياة المدرسية بما تعنيه من ضرورة توفر مدرسة لتعلم الحياة والقدرات المطلوبة لمواجهتها( المهارات الحياتية)، ثم دور الأنشطة الموازية في تقوية التعلمات وفي الربط بين المدرسة والمحيط الاجتماعي والاقتصادي والقيمي للمتعلم، أما المشروع الثاني الذي لابد أن تكون المديرية في مستوى رفع التحدي هو التوجيه المدرسي والمهني، وسيكون لا محالة، إن نُفِّذَ بشكل جيد، نتاج وتمرة المشروعين السابقين. لذا، أشار المرسوم إلى التركيز على الآليات الخاصة بمواكبة التحولات “الهادفة إلى إرساء مدرسة ذات جودة”، تطوير برامج الصحة المدرسية، “خدمات التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي”.
- المركز الوطني لعلامة جودة مؤسسات التربية والتعليم:
رغم اشتغال العديد من المديريات المدرجة ضمن الهيكلة السابقة على “جودة المؤسسة التعليمية”، لكن اختلاف تصور الجودة، ورغبة كل مديرية مركزية وكل قسم وكل مصلحة على صعيد الأكاديميات والمديريات الإقليمية على تفعيل هذه “الجودة” وفق تعريفها وإمكاناتها، جعل مفهوم الجودة يغيب من الناحية الواقعية( لا مجال للتعميم طبعا)، لذا، كان هدف المشرِّع ربما هو وضع مديرية تسهر على جودة مؤسسات التربية و التعليم وفق مهام حددت مثلا في: وضع الأطر المرجعية الخاصة بمنح علامة الجودة وشهادة المنشطين و الإشراف على صيرورة منح هذه العلامة.
- مديرية التكوين وتنمية الكفاءات:
مصطلح التكوين كان حاضرا في الهيكلة السابقة ضمن مديرية الموارد البشرية( مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر مثلما سميت آنذاك)، إلا أنها ستدرج ضمن الهيكلة الجديدة كمديرية مستقلة بمهام حددت في: إعداد استراتيجيات للتكوين الأساس والمستمر، الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات، ..لكن المستجد هنا هو ما سُطر ضمن بنود المهام الموكولة لهذه المديرية ويخص “العمل على تأطير مؤسسات تكوين الأطر العليا التابعة للقطاع وتتبع تنفيذ برامج عملها، وهو ما لم يكن حاضر في الهيكلة السابقة، وكانت له تابعات سلبية على التكوين الأساس داخل هذه المؤسسات رغم المجهودات التي يبذلها الطاقم الإداري والتربوي داخل هذه المؤسسات التي لايمكن للتكوين أن يحقق جودة دون تجويدها، أما المستجد الرئيسي الثاني، فيهم تفويت الإشراف على تنظيم مباريات التوظيف وامتحانات الكفاءة المهنية لهذه المديرية بعدما كانت ضمن المهام التي يقوم بها سنويا المركز الوطني للتقويم والامتحانات، والذي ستقتصر مهامه، ضمن الهيكلة الجديدة، على تقييم التعلمات بالتعليم المدرسي إلى جانب الإسهام في التقييمات الوطنية والدولية الخاصة ببناء التعلمات على صعيد مختلف الأسلاك التعليمية.
- المركز الوطني للأستاذية:
على مستوى التسمية، يعد المركز الوطني للأستاذية هو المركز الثالث ضمن الهيكلة التي وضعها المشرع ضمن الهيكلة الجديدة لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، إلى جانب المركز الوطني للامتحانات المدرسية وتقييم التعلمات، و المركز الوطني لعلامة جودة مؤسسات التربية والتعليم، وستكون هذه المراكز في حكم مديريات مركزية طبعا، مع إدراج الأول ضمن المديرية العامة للشؤون التربوية، والثاني داخل المديرية العامة لتنظيم الحياة المدرسية، أما المركز الوطني للأستاذية، فبقي مستقلا ومناطا، وفق وثيقة المرسوم بمهام منها: ” مَعْيَرة آليات التكوين الأساس والمستمر”، وضع إطار مرجعي لضمان جودة التكوين وإحداث بنيات البحث التربوي بمؤسسات تكوين الأطر العليا التابعة للقطاع، وغيرها من المهام التي تصب خصوصا في صميم المساهمة والإشراف على التكوين و”تكوين المكونين”.
3- الهيكلة الجديدة لقطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة: التحديات المطروحة
لن تكون الفائدة هنا في إعادة تكرار التحديات التي عاشتها وتعيشها المنظومة في ظل التنظيم السابق، لأنه ثبت مدى نجاح مديريات وفشل أخرى، مدى صلاحية بعضها ومدى غياب نجاعة بعضها، وأضحت نقط الضعف والقوة ظاهرة لكل متتبع ومهتم، لكن سيكون الغرض هو الوقوف على التغيرات التي عرفها التوزيع الجديد للمهام الموْكولة لكل مديرية على حدة، سواء القديمة منها أو المستحدثة ومدى قدرة هذه المديريات على تجاوز الاختلالات المسجلة في غضون التسيير بالمقارنة مع التقسيم السابق، وتلكم التحديات التي من الممكن أن نطلق عليها رهانات جديدة/ قديمة، يطرح حولها السؤال الآتي: إلى أي حد يستطيع التوزيع الجديد للمديريات وفق المرسوم المتفق بشأنه لربح رهان تحقيق الغايات الكبرى للمنظومة مثلما سطرت في مختلف القوانين والرؤى التي دأبت الوزارة الوصية على تسطيرها منذ 2015 إلى حين وضع اللبنات الأساس لخارطة الطريق 2022/2026؟
ومن خلال القراءة المنجزة أعلاه، وعبر استحضار المقارنة بين التنظيم السابق والحالي، نخاف ألا تتمكن مختلف المديريات من تحقيق المرغوب فيه من مهامها نتيجة التحديات أسفله:
- مشكلة التنسيق المركزي بين المديريات: يكاد مشكل التنسيق هذا، يطرح على صعيد كافة القطاعات المسيِّرة للشأن العام، وفي كافة الدول، لكن بدرجات مختلفة، وكلما اشتدت حدة عدم التنسيق كلما كان الأداء الإداري والتدبيري أقل نجاعة. وما لوحظ داخل قطاع التربية الوطنية منذ الاستقلال يؤكد هذا الشرخ الكامن في التنسيق، وما يبرر ذلك، وجود نفس المهمة لدى أكثر من مديرية مركزية( البحث التربوي على سبيل المثال لا الحصر).
- تداخل المهام: كثيرة هي المهام التي سُجِّلت بشأنها الكثير من العرقلة في سياق الهيكلة السابقة، وتسبب هذا التداخل غير ما مرة، في عدم تحقيق أهداف عدة، أو تم تأخرها جراء عدم السهر على تنفيذها من لدن مديريات مركزية تحت مبرر أنها تخص مديريات أخرى، لذا، قد لا تتمكن الهيكلة “الجديدة” من تجاوزها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كلفت “مديرية تنظيم الحياة المدرسية والأنشطة الموازية والتوجيه” بمهام مواكبة التحولات الهادفة إلى إرساء مدرسة ذات جودة، ووضع الأطر المرجعية الخاصة بالأنشطة الموازية، وغيرها من المهام المتطابقة أو القريبة جدا من “مديرية” أخرى ضمن نفس المديرية العامة ذاتها( المديرية العامة لتنظيم الحياة المدرسية) والتي أطلق عليها ” المركز الوطني لعلامة جودة مؤسسات التربية والتعليم”، وهو نفسه المكلف بمهام منح علامة الجودة والإشراف على المراحل المكونة لصيرورة هذه العملية وغيرها، وما نخاف منه بهذا الصدد، ألا يقع التوافق بين سيرورة المواكبة وآليات التقويم، وهو نفسه ما قد ينطبق على العديد من المديريات، سواء في علاقة الموارد البشرية بمديرية تنمية الكفاءات مثلا، بين مديرية نظم المعلومات والتحول الرقمي ومديرية الموارد البيداغوجية والرقمية.
- مسؤوليات أكبر على عاتق مديريات مركزية دون غيرها:
منذ التقسيم السابق للمديريات المركزية، كان الرأي العام الوطني وأيضا من لدن خبراء القطاع، يتحدثون دوما عن العبء الملقى على عاتق مديريات مركزية، بالمقارنة مع غيرها من تلك التي كانت مجرد هياكل، عجزت عن تحقيق الأهداف في نظر المتتبعين، إما نتيجة عدم وضوح مهامها منذ تشييدها، أو جراء نقص الكفاءات داخلها أو نتيجة وجود مديريات سابقة، تتولى تلك المهام بدلا عنها.
مثل هذه الوضعية قد تتكرر رغم حرص التقسيم الجديد على تجنبها، لأن تداخل المهام، أو عدم وضوح الأهداف التي لابد لكل مديرية من تحقيقها على حدة، سيجعل مديريات مركزية ترزح تحت ثقل مهام تفوق طاقتها، بل قد يزداد هذا الوضع تكريسا داخل المديريات المنضوية تحت لواء نفس المديرية العامة. ولاشك أن المشرع قد فطن إلى هذا خصوصا، لما قام بتوزيع مهام مديريات مركزية وأساسية إلى ” مديريات ثانوية” قصد التحكم أكثر في مسألة التفعيل.
خلاصة عامة:
لا يمكن نفي المجهود المبذول في محاولة وضع هيكلة جديدة لقطاع حيوي يأتي بعد قضيتنا الترابية، ولا مناص من وضع التربية والتعليم كمنطلق لكل تقدم إن أردنا فعلا أن ننفلت من الاختلالات التي ظلت جاثمة على مسارنا التنموي، وهذا تجلى فعلا في القاموس المفاهيمي للمرسوم وعلى الابتكار الذي رافق خلق مديريات جديدة، خصوصا في تقوية مسارات التكوين الأساس والمستمر، فتح المجال الأكبر لحضور الرقمنة، سواء في تنظيم موارد القطاع، أو تمكين الصيرورات البيداغوجية والتحصيلية والتقييمية للمتعلم من آليات رقمية تحقق النجاعة المرجوة، كما تجلى موقع الهيكلة الجديدة في الوفاء لخط البعد الاجتماعي عبر تأسيس مديرية تهتم باستدراك فرص التعلم والإدماج السليم لكل طفل وطفلة مغربية والعمل على إدماجهما، سواء في مسارات التعلم أو فتح بوابة التكوين المهني وغير ها من الآفاق التي يطمح إليه التنظيم الجديد.
كل هذه الطموحات الهيكلية، التي حددت سلفا منذ الرؤية الاستراتيجية، وضمن مختلف مواد القانون الإطار 51.17، مثلما أسلفنا ذكره أعلاه، وصولا إلى خارطة الطريق 2022/2026. سيرافقها تحد دائم في مدى وجود آليات فعلية تلزم كل مديرية بمهامها وتسهر على أجرأتها والسهر على تقييم جودة مهامها، والحرص على التنسيق المستمر مع المديريات المركزية التي تتولى مهام أقرب إليها أو تلك التي تنفذ مهام متكاملة مع مهامها، وسؤال التفعيل هذا سيظل دوما مطروحا إلى حين.
عذراً التعليقات مغلقة