تاريخ اليهود بالمغرب(فصل أول)
هذا خامس مقال أخطه صيف 2023 في تاريخ اليهود المغاربة و عاداتهم و تقاليدهم .. فبعد الاعتراف التاريخ لدولة إسرائيل بمغربية الصحراء .. كتبت مقالة في هذا الاعتراف و مقال في تقاليد وعادات المرأة اليهودية بالمغرب .. و في التعايش الديني المشترك بالمغرب كتبت ثالث.. و خصصت رايها في شهادة حق في يهود مغاربة .. و كان لزاما علي كباحث مغربي مختص في السياسة و الأديان أن أسهم في النقاش الدائر بالفضاء العام لنرفع اللبس عن اليهودية و اليهود المغاربة و نعيد قراءت المفاهيم و الأحداث و الوقائع بدون تعصب أو تسيس .. و تأتي مقالتي هذه لتكشف الستار عن مراحل مهمة من تاريخ اليهود بالمغرب.
الحديث عن تاريخ يهود المغرب لا ينفصل عن الحديث عن يهود شمال افريقيا نظرا لترابط التاريخ و تداخل العوامل المؤثرة والفاعلة والعاملة فيه، اذ تمتد جذور يهودية الغرب الاسلامي في ماض غابر ارتبط بالفتح الاسلامي و بالحروب الصليبية على امتداد ألف سنة .
فالحديث عنه يلزمنا تعداد الرحلات الأولى لليهود نحو شمال إفريقيا وإلى المغرب تحديدا و هو ما لا يسمح به المجال هنا .. لكن نسجل الحماية المطلقة لليهود في حضن الدولة الأمة بالمغرب .. و قد اهتم بتعداد هذه الرحلات العديد من الباحثين و العديد من الدول و المؤسسات العلمية الرسمية و الغير الرسمية.
وأكبر الاهتمام كان من القنصلية البريطانية تحديدا إما بإعداد تقارير عن الطائفة اليهودية من خلال تعداد انشطتهم الاقتصادية والحرفية ومعرفة تحركاتهم داخل المجتمع وإسهامهم فيهما.. وتعد هذه التقارير القنصلية مرجع غني بالمعطيات المتنوعة والضرورية للدارسين في حقل التاريخ وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا من تناول المواضيع ذات الصلة بأحوال اليهود المغاربة إلى حدود سنة 1912 (راجع في ذلك كتاب تاريخ الاقتصاد المغربي تقارير القنصلية البريطانية من صفحة 183 الى صفحة 190 طبعة سنة 1990)
إن قدوم اليهود إلى الغرب الإسلامي (الأندلس، افريقية، المغرب الأقصى) جاء في أعقاب خراب الهيكل الأول في عام 586 قبل الميلاد وتوالت بعد ذلك الهجرات الفردية و الجماعية، إثر النفي والترحيل وطرد اليهود والمسلمين من الأندلس في 1492 والبرتغال في 1497ميلادية .. وهناك وفودا من اليهود جاءت مع الفنيقيين، وكان قدومهم إلى المغرب من الشام، وقد تأسست مدينة باسم آيت داوود، جنوب المغرب نسبة إلى يهودي من قبيلة يهوذا( راجع كتاب تاريخ اليهود بالمغرب -أحمد شحلان).
و للأستاذ شحلان قول خاص عن تركيبة اليهود المغاربة بالمغرب : “يتكون العنصر اليهودي في المغرب من مجموعتين كبيرتين: المجموعة الأولى : يهودي مغاربة أصلا وجدوا في المغرب قبل الاسلام، و جاءت المجموعة الثانية في دفعتين كبيرتين ، القسم الأول: اليهود الذين قدموا بعد الفتح العربي إلى المغرب، و القسم الثاني: يهود إسبانيا الذين تركوا هذا البلد عندما تركها المسلمون في نهاية القرن الخامس عشر،(في مداخلته ضمن ندوة الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن 19، التي نظمتها كلية الآداب الرباط، طبع مطبعة النجاح الجديدة، بالدارالبيضاء،1986،ص:226ـ207ـ بتصرف).
وزادت هجرة اليهود إلى المغرب بعد قرارات مجامع طليطلة التي خيرت اليهود بين المسيحية أو المنفى، ففضل معظم اليهود الاستقرار بالمغرب، لما وجدوا من السكنية في معظم المناطق والقرى والحواضر بمناطق متفرقة بالمغرب، حيث انتقل بعض اليهود المغاربة للاستقرار أيضا ببعض جهات المحيط الأطلس الشمالي للالتحاق بالطوائف اليهودية السفرادية المقيمة منذ أمد بعيد في لندن وأمستردام، وعرفوا فيها وجاءت الإشارات المتعلقة بتلك الأوساط في كتاب (يهودي السلطان، المغرب و عالم اليهود السفرد، تعربي خلد بن الصغير، الرباط: منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة نصوص و أعمال مترجمة رقم 11 سنة 2011).
نقف عند هذا الحد في هذا الفصل الأول من تاريخ اليهود بالمغرب .. و هو فصل حاولنا الغوص فيه بمنهجي علمية دقيقة في تاريخ اليهود و رحلاتهم إلى المغرب قبل و بعد الاسلام .. لعلنا نساهم في كشف الحقائق المزيفة التي نشرها الفكر المتطرف عن اليهود و اليهودية .. و نعدكم بمزيد من المعطيات حول تاريخ اليهود في فصل ثاني باذن الله .
مقال بقلم: د. عبد النبي عيدودي
عذراً التعليقات مغلقة