خلط عمل المؤسسات العمومية الحقوقية سيسوق صورة سلبية ويعمق العبث المؤسساتي

29 أكتوبر 2019
خلط عمل المؤسسات العمومية الحقوقية سيسوق صورة سلبية ويعمق العبث المؤسساتي

صبري لحو*

إن الحديث عن حقوق الأنسان ، وفق رؤيا فكرية رصينة ، وبضبط منهجي مسنود بخلفية قانونية ، يسترعي ، لزوما ، توخي الحذر الإبيستيمولوجي في تناول مختلف الأسئلة المؤطرة للسؤال الحقيقي. ومغربيا ، ادعي ، بأن اعادة قراءة الإرث الحقوقي الذي طابع مسار التجربة السياسية المغربية اضحى ملزما من أجل استنتاجات علمية تصلح لتعبيد الطريق امام سياسات عمومية كفيلة بترجيح كفة العدل والإنصاف بما سيعمق السلم الإجتماعي ويحفز مناخ الإستثمار .

أولاً: التدافع السياسي لاحتكار الشرعية الحقوقية ينذر بتدمير التراكم الحاصل:

للأسف، يبدو ان تداعيات التدافع السياسي وسعي مختلف اطراف المعادلة الى احتكار الشرعية الحقوقية للحصول على الشرعية ، قد عمق سوء تقدير التراكم الحقوقي الحاصل منذ 1999 ؛ لحظة انبثاق تجربة الانصاف والمصالحة كمدخل نجح ، رغم كل شيء ، في انجاز عدالة انتقالية دون اي صدام ، بالاحرى بما يوطد الإيمان بالثوابت.

ثانيا: سياقات انفتاح المغرب على التراث الحقوقي العالمي:

لعل استقراء تجربة الانصاف والمصالحة قمين وكفيل باسترجاع ما انفتح عليه المغرب من سياقات دولية تسمح بالنهل من التراث الحقوقي العالمي الكوني ، خاصة مع ما اصبح لحقوق الإنسان من وقع في الحكم على تجارب الأنظمة وتصنيف الدول امميا ، عبر التقارير التركيبية التي تقدم خلال ” الاستعراض الدولي الشامل ” بجنيف مع المجلس الأممي لحقوق الإنسان.

ولأن المرجعية الحقوقية دوليا تمتح من عدة مراجع فكرية، وحقوقية ؛ كما هو الحال مع مباديء باريس ؛ والتي يعتمد عليها المغرب في بناء مؤسسات حقوقية بمواصفات محددة ، غير بعيد من مباديء نيويورك ومباديء بلغراد ذات وثيق الصلة بمنهجيات عمل الفعل الحقوقي في كل المستويات ، وفي مقدمتها تنزيل آليات الحماية وفق مقاربات استباقية تحافظ على التقدم الحاصل، وتحول دون تكريس منطق العود الى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان .

و يبدو ان انخراط المغرب في الدينامية الحقوقية التي يعرفها العالم منذ مستهل الألفية الثالتة موسوم بالذاكرة الجماعية للمغاربة بمخرجات هيأة الانصاف والمصالحة كلحظة مفصلية في تاريخ المغرب الراهن حقوقيا وسياسيا .

ثالثاً توطيد الوعي الحقوقي من أجل الدفع السياسي لدمقرطة الدولة والمجتمع:

ولا يجوز القفز على تجربة الرعيل المؤسس للتجربة دون تعميق القول فيما حققه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من تراكم لصالح توطيد الوعي الحقوقي والدفع قدما بالعجلة السياسية في طريق دمقرطة الدولة والمجتمع. ومنه نحو المجلس الوطني لحقوق الإنسان ؛ حصلت طفرة مهمة من خلال توسيع الصلاحيات والتقعيد الدستوري للمجلس وفق مبادئ باريس المتعارف عليها أمميا .

ومع ما كان يعرقل التسوية النهائية للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ، عبر تركيز خصم المغرب على الوضع الحقوقي من اجل ارباك قناعة المنتظم الدولي بضرورة فرض الرقابة الاممية على حقوق الانسان بالمناطق الجنوبية. من كل ذلك يتبين ان الفعل الحقوقي اصبح اداة من ادوات تدبير النزاعات الدولية .

رابعاً نسف استقلال آليات الحماية الوطنية ردة حقوقية ينذر بالفواجع داخليا وخارجيا:

وعبر تحليل نسقي متعددة الأوجه ، لا يجب تبخيس دور حقوق الانسان في تسويق صورة تناسب مقام الدولة بما قد يعود نفعا على مناخ الاستثمار الاجنبي. ومن تك يجدر التأكيد ان أية محاولة لنسف هذا التراكم الحاصل في اتجاه ردة حقوقية تعاكس التوجه العالمي ، لا يمكن الا ان تنذر بالفواجع داخليا وخارجيا.

ومن المجلس الوطني لحقوق الانسان نحو المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ، من حيث التقاطع بين مبادئ باريس ومبادئ نيويورك وبلغراد، على المغرب ألا يسفه ما تراكم بفعل تضحيات الجميع ؛ الدولة من جهة وضحايا الجمر والرصاص من جهة ثانية ، بما يفند مطلب الاستقلالية الذي يشكل منطلقا مقياسيا لعرض تجارب الدولة وفق مقاربات اممية معتمدة .

خامساً: خلط آليات الحماية الوطنية يسوق صورة سلبية ويعمق منطق العبث المؤسساتي.

ما حصل عبر مشروع المرسوم الجديد؟ لنقل اختصاصات مندوبية حقوق الإنسان لصالح وزارة حقوق الإنسان يدحض بشكل مكشوف مبدأ الاستقلالية بخصوص وضع المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ، بمنح كل صلاحيتها لوزارة حقوق الإنسان، التي يشرف عليها احد صقور الحزب الإسلامي الأغلبي.

وعبر قراءة قانونية لمشروع المرسوم ؛ يبدو مؤكدا ان هذا الخلط في آليات اشتغال المؤسسات العمومية حقوقيا سيسوق صورة سلبية ويعمق منطق العبث المؤسساتي بما يكرس نظرة ازدراء مقصودة نحو المندوبية لصالح الوزارة .

سادسا: نقل صلاحيات مندوبية حقوق الإنسان إلى الوزارة الأجندة؟ الرهانات؟ والنتائج؟

تشكل قناعة البعض من خلال السعي لنقل صلاحيات المندوبية الى الوزارة مدخلا لمعانقة المشروعية الحقوقية كشكل من اشكال الدخول في صلب التدافع الحقوقي المطلوب ايديولوجيا، في اتجاه تقوية النقاش في فحوى الخطة الوطنية للديموقراطية وحقوق الإنسان ، على اشلاء الانصاف والمصالحة كمشترك مغربي فريد .

ولكل ذلك نجد العلاقة بين الخطة الوطنية ونقل صلاحيات المندوبية الوزارية الى وزارة حقوق الانسان كاف للاعتراف بانتصار جناح محدد على حساب باقي الاطراف .

وحتما وبدون شك ستكون للأمر ارتدادات وخيمة على صورة الدولة حقوقيا سيما إبان الاستعراض الدولي الشامل، الذي يحاسب الدول عبر عدة أدوات قياس متعددة ، في مقدمتها عبر مقياس استقلالية المؤسسات الحقوقية عن السلطة التنفيذية .

ترى من كان خلف نقل صلاحيات المندوبية الوزارية إلى وزارة حقوق الإنسان ، في سياق اممي شديد الحساسية؟ ومن كان خلف هذا الانحراف الذي لا يناسب ما تراكم منذ 1999 ؟ قبل التسويق لما يسمى بالخطة الوطنية للديموقراطية لحقوق الإنسان ، كإحدى مخرجات مؤتمر فيينا لعام 1993 ؟ في تجاوز مقصود لمخرجات الانصاف والمصالحة التي منحت الدولة مشروعية أساسية في تدبير مرحلة العهد الجديد؟

أليس من مصلحة حكومة الحزب الأغلبية الحصول على الشرعية عبر مدخل حقوق الإنسان، سيما ان فقدان البصمة في ما حصل خلال زمن ما يسمى في أدبيات الحقل الحقوقي ” الجمر والرصاص” ، يجعل الإسلام السياسي في حاجة ماسة إلى شكل من أشكال الاستثمار التكتيكي للخطة الوطنية ولصلاحيات الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان، وتحديدا وزارة تحظى بصفة وزارة دولة ؟ كيف يتم قبول هذا الانزياح المفاجئ على انقاض استقلالية المندوبية والاتجاه نحو تقوية تدخل السلطة التنفيذية؟

ختاما، إن ما يحصل من اخطاء في تدبير السؤال الحقوقي لن ينعكس الا لصالح طرف العدالة والتنمية، والإسلام السياسي على حساب ما راكمته الدولة بتوافق مع ضحايا الانتهاكات الجسيمة. وطبعا اختم بـ “وأسرها يوسف في نفسه”؛ في انتظار أن تتوضح الأمور أكثر، ولكل مقام مقال.

محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي_الهجرة ونزاع الصحراء

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

    موافق