المعركة
بقلم: ذ. رشيد الحموني
بعد فضيحة استقبال الجارة المستعمرة لأراضي المغرب سبتة ومليلية الزعيم الوهمي لعصابة ما يسمى بالبوليزاريو والتي سبق وأن أشرت لها في تدوينة سابقة على صفحتي. ما زلنا نتساءل كيف يمكن لإسبانيا أن تنفض علاقتها مع المغرب كغبار؟ وأن تحتضن اللئيم الوهمي وتوفر له حماية وعناية بالرغم من دخوله ترابها بهوية مزورة. وكيف لهذا البلد المجاور الغني بحضارته وموروثه الإنساني الهائل أن يقبل مثل هذه الأخلاق الفاسدة؟ ويساهم في كل هذه الافتراءات والسلوكيات هابطة المستوى.
قبل الخوض في التحليل لابد وأن أؤكد أن الدبلوماسية (تحقيق السياسة الخارجية للدول) هي الواجهة الخارجية ولا تتحرك في فراغ. والدبلوماسية التي انتهجتها إسبانيا مؤخراً تعكس سياسة حقدها. وتوجهات الحكم الإسباني في العمل الخارجي تأتى في إطار اشتعال الصراع بين الشعوب في المنطقة وبين حكوماتها وإنشاء غرف عمليات لإجهاض محاولات الحسم في قضية الصحراء المغربية.
حينما يصبح التطاول على حرمة سياسة لدولة مجاورة كان يشهد لها بنبل الروابط والشراكات فهذا نقص من الشهامة والرجولة السياسية لأنوا اتخذوا موقفا هم أجبن من الإقدام عليه.
التفاف إسبانيا نحو مجرم الحرب يبين بالملموس عقدتها التاريخية مع المغرب الذي طالما شكل لها جسر الأمان والأمن ضد الإرهاب والهجرة السرية. فكلما نظر هذا الجار الى الضفة الجنوبية تذكر طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين ويعقوب المنصور و الزلاقة والأرك …وتذكر 800 عاما من حكم المسلمين للأندلس ، وتذكر أنه في الأمس القريب تعرضت العسكرية الاسبانية لأشنع هزائمها في موقعة أنوال على يد البطل و المجاهد عبد الكريم الخطابي ، والتي استخدمت بشكل ممنهج أسلحة غير تقليدية محظورة بموجب اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899 و1907، بنية الانتقام من الريفيين الذين ألحقوا أضرارا كبيرة بالجيش الاسباني. إنه ماض أليم حقيقة؛ ليس من السهل تجاوزه بجرة قلم.
وبعدها بقليل عاد أحفاد طارق لعبور المضيق من أجل المشاركة في الحرب الأهلية الاسبانية التي تركت في الذاكرة الاسبانية جرحا لا يندمل، حتى استحق المغرب لقب (وحش اوربا) بدون منازع.
ثم جددت مسيرة 350 ألف متطوع المسيرة الخضراء مسيرة المعجزة التي لا تهاب الموت أبدا بفضل ذكاء ودهاء جلالة المغفور له الحسن الثاني في اختيار التوقيف بناء الاستراتيجية (كان فرانكو وقتها في حالة احتضار)، مما شكل حسرة مريرة يعتبرونها العديد من الساسة الاسبان” شمتة” في الوقت الذي كان الوقت يتعلق الامر بتفعيل لحقوق مغربية للشرعية الدولية (قرار محكمة العدل الدولية).
وبالرغم من ذلك ظل المغرب دار السلم والسلام وليس دار الكفر والحرب حيث كرس ديبلوماسية ااستثنائية تحكمت في سلوكه على أساس الحلول السلمية للمشاكل العالقة بين الأطراف الدولية؛ وخصوصا دول الجوار. ومن هذا المنظور فقد تعامل المغرب مع الجار الشمالي بروح دبلوماسية منفتحة؛ أساسها الحوار والتواصل لحل المشاكل العالقة بين الطرفين. وهذا يبدو واضحا بخصوص مجموعة من الملفات؛ التي ما زالت عالقة من زمن الاستعمار؛ سواء تعلق الأمر بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين؛ أو تعلق الأمر بمجموعة من الجزر المغربية؛ التي ما زالت خاضعة للاستعمار الإسباني لكن في مقابل هذه السياسة المنفتحة للمغرب؛ القائمة على أساس الحوار البناء؛ فإن الإسبان يلتزمون سياسة خارجية تجاه المغرب؛ قائمة على العدوانية والحرب؛ وذلك لأنهم يتعاملون مع الانفتاح المغربي؛ باعتباره ضعفا وخذلانا؛ يستغله السياسيون كأوراق انتخابية رابحة وخير دليل على ذلك، عندما سعى المغرب إلى ممارسة سيادته على جزيرة ليلى؛ لم يتوان نفس اليميني في تطبيق تهديداته والإقدام على إنزال عسكري على تراب الجزيرة؛ واعتقال دركيين مغاربة. وهذا فقط غيض من فيض التجاوزات الإسبانية في حق المغرب.
أكيد أن ما يزعج إسبانيا هي القوة الجيوساسية الصاعدة للمغرب في مجالات عديدة، أخافتها وأخذت تنظر له عدو إستراتيجي وجار مزعج، ولا تقبل أن يكون قويا ويحقق نموا اقتصاديا أو أن يكون قوة دولية للجوار” ”.
لكن ما يجب أن تدركه أن المغرب دولة ذات سيادة كاملة؛ ناضل من أجلها الأجداد؛ و بذلوا الغالي و النفيس من أجل تكريسها و نصرتها؛ و إذا كانت السياسة الخارجية للمغرب ترجح خيار السلم على خيار الحرب؛ فهذا لا يعني أن جيل المغاربة الجديد مختلف عن الجيل القديم؛ الذي لقن الإسبان دروسا لن تنسى من ذاكرتهم.إن روح البطل الكبير ( محمد بن عبد الكريم الخطابي) تسري في عروق كل مغربي؛ من شمال المغرب إلى جنوبه. وهذه الروح مستعدة لأن تنتفض في أي حين ضد الإهانة الاستعمارية لبلدنا..
لهذا نحن اليوم مطالبين أكثر مما مضى أن نحرص على استرداد أراضينا؛ وأن سبتة و مليلية و الجزر المغربية المستعمرة؛ ليست ملفا مناسباتيا؛ يطرح على الطاولة لمناقشة قضايا أخرى؛ بين المسؤولين المغاربة و الإسبان؛ لينسى بعد ذلك على وقع عبارات المجاملة؛ التي لا تعبر عن حقيقة ما يجري على الأرض. إنها قضيتنا الوطنية الأولى؛ التي يجب أن نستميت في الدفاع عنها بجميع الوسائل؛ ونحن جميعا نشترك في هذه المسؤولية التاريخية؛ سواء تعلق الأمر بالأحزاب أو بهيئات المجتمع المدني أو بالنخب الفكرية… وأي تراجع عن هذا الاتجاه؛ يعتبر خيانة عظمى منا جميعا لقضيتنا الوطنية الأولى.
نحن هنا لنلقن ا دروسا في الكرامة والإباء ومواجهة جميع الخيارات في سبيل كرامة واستقلال الوطن. ولعل هنا تكمن وظيفة الإعلام كما هي وظيفة التربية؛ كما هي وظيفة الفن والفكر …وأن نصيح بجميع هذه الأصوات؛ بأنه ما يزال لحد الآن لم نستردد أراضينا؛ ولحد الآن ما يزال المستعمر الإسباني يستولي على قسم مهم من تراب وطننا..
إن الشعب المغربي قادر على حماية حدود بلاده وعلى مواجهة أي نوع من الإعتداءات ولكن ليس عن طريق حرب تدمير..
عذراً التعليقات مغلقة