صبري: ترحيل المهاجرين القاصرين من اسبانيا الى المغرب غير قانوني وغاياته تجاوز الأزمة الديبلوماسية.
صبري الحو*
إن اتفاق اسبانيا والمغرب على ارجاع وترحيل سبعة مائة مهاجرا مغربيا قاصرا من غير المرافقين، الذين عبروا الى سبتة ما بين 18 و19 ماي من هذه السنة، و قبول المغرب بتنفيذ ارجاع هؤلاء عبر جماعات من خمسة عشر مهاجرا قاصرا في كل يوم عبر معبر تاراخال ، هو اتفاق يخرق القانون في كل تجلياته،
ولربما تحكمه غايات ساسية في اطار رغبة الجانبين اسبانيا والمغرب لرأب الصدع والشرخ في العلاقات الدبلوماسية وتحاوز الأزمة التي نتجت عن استقبال لقائد البوليساريو للاستشفاء بهوية مزورة.
أولا: البحث عن “المصلحة الفضلى للطفل” الوجه الأول لخرق الاتفاق للقانون الدولي للهجرة ولحقوق الانسان؛
هذا الاتفاق والترحيل يخرق القانون الدولي لحقوق الانسان، والقانون الدولي للهجرة، وخاصة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989، التي صادق عليها المغرب واسبانيا، وتم نشرها في الجريدتين الرسميتين للبلدين، واصبحتا قانونا وطنيا يجب احترامه.
ووجه الخرق والانتهاك لمقتضيات هذه الاتفاقية يتجلى في عدم الاهتمام ولا البحث في المصلحة الفضلى للطفل، و تدخل الطفل الشخصي في تحديد هذه المصلحة عبر الاستماع اليه بصفة قانونية تحترم ارادة الطفل وفي التعبير عنها بواسطة اجراءات ومسطرة قانونية دقيقة. بما فيه الاستعانة بمترجم قانوني باللغة التي يفهمها الطفل.
و هذا الحق لم يتم احترامه وتم التغاضي عنه تحت مبررات ومسوغات ارجاع الطفل الى محيطه العائلي والاجتماعي، وفق ما عبر عنه وزير الداخلية الاسباني السيد مارلشكا كراندي ، رغم أن القانون الدولي لحقوق الانسان وحقوق الطفل افترض هذه الظروف وفاضل بينها وبين مصلحة الطفل و حقه في تحديدها، ورجح في النهاية قرار الطفل في تحديدها.
ثانيا؛ “الترحيل الجماعي”؛ الوجه الثاني لخرق القانون الدولي للهجرة ولحقوق الانسان
كما أن المغرب واسبانيا خرقا ايضا اتفاقية حقوق وحريات المهاجرين وافراد أسرهم لسنة 1990، التي تمنع الترحيل الجماعي، ولا شك أن ترحيل خمسة عشر مهاجرا قاصرا يوميا يعتبر في خد ذاته ترحيلا جماعيا، و هو خرق لهذه الاتفاقية، وخاصة من جانب المغرب الذي يقبل بذلك رغم مصادقته على تلك الاتفاقية ونشره في جريدته الرسمية، على الأقل في ظل عدم مصادقة اسبانيا على تلك الاتفاقية الى الآن.
ثالثا: الدستور الاسباني يعطي الأولوية للمؤازرة القانونية وللبحث في مصير المرحل تحت مراقبة قضائية؛
لا يشفع لاسبانيا لجوئها الى الترحيل الجماعي عدم مصادقتها على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وافراد اسرهم الاجتماعي لأن دستورها يعطي الأولوية للضمانات القانونية الملازمة للمساطر القانونية بما فيه مسطرك الترحيل، و قانونها الوطني يعزز ذلك ، وخاصة قانون حقوق وحريات الأجانب واندماجهم الاجتماعي وقانونها التنظيمي و الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان التي تمنع الترحيل الجماعي مادامت تلك الممارسات منافية للقانون الدولي للهجرة وحقوق الانسان.
رابعا: اتفاقية 2007 لترحيل القاصرين غير المرافقين تتضمن التزامات البحث الاجتماعي والعائلي للطفل قبل الترحيل.
تتذرع الحكومة الاسبانية على اتفاقية 2007 لترحيل المهاجرين المغاربة القاصرين غير المرافقين الموقعة بين المغرب واسبانيا ، والتي كان موضوعها قبول المغرب بترحيل المهاجرين القاصرين غير المرافقين، وهذه الاتفاقية سبق في تاريخ التوقيع عليها ان علقنا عليها بانها مخالفة للقانون الدولي في عدم اخذها بعين الاعتبار البحث عن المصلحة المثلى للطفل و ضرورة الأخذ بعين الاعتبار اختيارات الطفل المعبر عنها بصورة صحيحة واحترامه.
ومع ذلك وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة لتلك الاتفاقية، والتي جعلت المغرب لم ينشرها اصلا، واشتكت اسبانيا مرارا من عدم تعاون السلطات المغربية لتنفيذها، فان تأطير الترحيل الحالي بناء عليها طاله ايضا خرق لمقتضيات هذا الاتفاق ، لأنها تتضمن شروطا دقيقة من قبيل تحديد هوية القاصر والتعرف على مكان اقامة والديه واعلامهما وتقديم وثائق عن ذلك اثناء عمليات الترحيل، ودائما في اطار احترام المصلحة الفضلى للطفل وتحت المراقبة القضائية.
خامسا؛ اجماع حقوقي وسياسي في المعارضة كما في الحكومة لانتقاد ترحيل المهاجرين المغاربة القاصرين؛
وهو مالم يتم التدقيق فيه ولا كفالته من طرف اسبانيا بحيث ان احد قادتها صرح أن هذا البحث من اختصاص الحكومة المغربية، والحال ان البحث في الهوية ومكان اقامة العائلة واختيارات الطفل من صلاحيات والتزام دولة اسبانيا بمقتضى اتفاقية 2007 المستند عليها.وقد انتقدت الجمعيات الحقوقية الاسبانية هذا الاجراء، بل ان الحزب الشعبي الذي يقود المعارضة انتقد بدوره ذلك، وامتد إنتقاد هذه الممارسة الى حزب بوديموس الذي يعتبر مكونا من مكونات حكومة اليسار بقيادة الحزب الاشتراكي وطالب بوقف وتعليق الترحيل.
سادسا: القضاء الاداري الاسباني ينتصر للأمن القانوني للمهاجرين ويوقف عمليات الترحيل؛
و قد أوقف أحد قضاة غرفة المنازعات الادارية رقم 1 بسبة اتمام تنفيذ عمليات الترحيل في حق اثنى عشر مهاجرا قاصرا مغربيا صباح الاثنين 16 غشت، بيد أنه لم يستفذ من مقتضيات هذا القرار الاستعجالي سوى تسع منهم لأن الترحيل بتاريخ صدور القرار تم تنفيذه في حق ثلاثة منهم. و قد تم تعليل هذا القرار بحيثية مفادها ان القانون الاسباني لا يسمح بالترحيل سوى في مواجهة مهاجرين رشداء يتواجدون فوق الاقليم الاسباني في وضعية غير قانونية ولعدم استجماع كل الشروط القانونية بما فيه اصدار قرار اداري بالترحيل.
سابعا؛ القرار القضائي يفتح الباب لسجال سياسي حقوقي وقانوني في اسبانيا وفي المغرب يسود سكوت مطبق
ويظهر من هذا القرار القضائي انه لا يعترف بالاتفاقية التي ابرمتها اسبانيا مع المغرب سنة 2007، والتي تسمح بترحيل المهاجرين القاصرين غير المرافقين. رغم اننا لا نعرف اسباب بناء قناعة القاضي الاسباني في صدور هذا القرار؛ هل هو ترجيحه سمو القانون الدولي للهجرة؟ ام احترامه للشرعية القانونية في القانون الاسباني، التي تعطي القوة للدستور والقانون العضوي بما فيه الدولي وضرورة ملائمة ومطابقة القوانين التنظيمية وكافة الاتفاقيات لهما؟ ام فقط لعدم اصدار قرار اداري بالترحيل يمكن تداركه في حق البقية من القاصرين؟.
ومهما يكن من اسباب جعلت هذا القاضي ينتصر للشرعية القانونية في القانون الدولي والقانون الاسباني، ويحترم الأمن القانوني للمهاجرين القاصرين ، فانه احرج وزير الداخلية الاسباني و لم يجد سوى الاتفاقية مع المغرب لسنة 2007 للدفاع عن الترحيل. و يفتح القرار القضائي بابا لجدال سياسي و قانوني في اسبانيا بينما يسود سكوت مطبق وغير مفهوم في المغرب .
*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.
عذراً التعليقات مغلقة