المداحون السماعون المغاربة
بقلم: عادل الزبيري
يرتدون جلاليب بيضاء لونها، يضعون طرابيش حمر لونها على رؤوسهم، فيما بعضهم اختار رزة شرقاوية مغربية أي عمامة.
يرددون في انتظام كلاما موزونا في التسبيح لله عز وجل، في ليلة من أواخر شهر رمضان الفضيل، على خشبة مسرح محمد الخامس، في العاصمة المغربية الرباط.
ففي تجربة جديدة في فن السماع المغربي، ترتج جنبات أكبر مسارح العاصمة الرباط، تحت رهبة حناجر سخرت حياتها لمديح الرسول محمد، وقراءة التوسلات الربانية، نهارا وليلا.
يقود الشيخ علي الرباحي، السماع المغربي إلى مرحلة جديدة، بتجديد الألحان والإيقاعات، من بوابة الغوص في قديم النصوص المغربية في التصوف المغربي الضارب في جذور تاريخ الإسلام في المغرب.
فمن النادر جدا أن يخيم الصمت على أكبر مسارح المغرب، في عرض جماعي أو فردي، إلا إذا كان الأمر جلل، لكن المسمعين المغاربة قدموا عرضا جماعيا قويا، بتفرد مدرسة السماع المغربي، شعاره لا إله إلا الله كلمة عظيمة.
هنا الحضور، في مسرح الرباط، مولوعون لأنهم من عشاق المديح النبوي، من متصوفة مهرة في نظم جميل الكلم، وفي وزنه على الأداء الجماعي، بين الساكنين الرباط وسلا وفاس ومكناس ووزان وشفشفاون من مسمعين مغاربة مهرة، في تجربة مزج فني مع مسمعين من مدينة أبي الجعد، أحد قلاع التصوف المغربي تاريخيا.
أعتقد أن فنون السماع المغربي جديرة بالاكتشاف من غير المغاربة، لأنها تعبير روحاني ينطلق من القلب ليصل مثل تيار كهربائي عالي التوتر إلى القلب والروح، لا يصده حاجز.
فمن المغرب انطلقت أشهر مدارس التصوف، ورزق الله هذه الأرض بأقطاب ربانيين تعبدوا وزهدوا وربوا وتعلموا وعلموا.
تمنى الجلس في الكراسي الحمراء، في مسرح محمد الخامس، لو كان بإمكانهم القفز كالعصافير لأنهم يشعرون بموسيقى مع كلام رباني يخاطب وجدهم ووجدانهم.
صدق القائل المغربي قديما، بأن المشرق بلاد الأنبياء، والمغرب بلاد الأولياء الأتقياء.
فعند سماع أول جملة في نص منثور بتراص في مديح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، يصمت الحضور، فيدق صاحب الطبلة، فيرد عليه نافخ الناي، فيما الماسك بحبال العود فيضرب على أوتار القلب.
فما بين لغة عربية فصيحة وبين شعر عامي مغربي مرصوص، ينتقل الجمع، بأصوات تشذوا وتطلب المدد، وتتوسل شفاعة الخاتم للأنبياء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
فالشيخ الناظم الحافظ المنشد العذب، الحاج سيدي علي الرباحي، ضابط ماهر للإيقاع بين طيب الكلم، ومعه رجال أشداء يتقنون القول في الكلام الملحن، على ميزان من موسيقى.
فيا أيها العالم، هذا هو المغرب البهي النقي برجال صدقوا الله في الإخلاص، للكلام الخير، في وصف خير البرية، وفي التسبيح لله العظيم.
لا تمسك نسوة مغربيات حالهن فيلوحن في لحظات خشوع باليدين، فيما تطلق أخريات السمع، بينما الأرواح تشرب من معين المديح المغربي في حضرة المولوعين.
يرتاح الفنانون المسمعون من الأداء الجماعي، فتنطلق مواويل فردية، في مناجاة خالصة لوجه الله، ليعاود الجمع مناداة الله ثالثة ورابعة، يرفعون الأصوات عاليا، يطلبون ضيف الله.
كسر الحضور قواعد الجلوس، فنهضوا جمعا واحدا، لأن الحال ما يشاور، في عمارة مغربية، لا مثيل لها، طلبا للشفاعة المحمدية، وتوسلا لله عز وجل في خير ليالي من شهر رمضان الفضيل
عذراً التعليقات مغلقة