المعركة
صدر للدكتور المصطفى بوجعبوط، مدير المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، ورئيس تحرير المجلة المغربية للعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان كتابه الرابع حول موضوع: “آليات العدالة الانتقالية: المحددات المؤسساتية والتدابير الإجرائية -لجان الحقيقة، النوع الاجتماعي، معرفة الحقيقة، المحاسبة، التعويضات-“، من تقديم: الدكتور عبد الإلاه العبدي، أستاذ التعليم العالي تخصص القانون العام والعلوم السياسية – كلية الحقوق- أكدال- الرباط -جامعة محمد الخامس، الناشر من لدن المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، فالكتاب يتكون من 350 صفحة وقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول، الأول يتعلق: آليات ومؤسسات دعم العدالة الانتقالية. والثاني، يتعلق محددات لجان الحقيقة بين الذاكرة والتشاور والنوع الاجتماعي والثالث، التدابير الإجرائية للجان الحقيقة: غياب المحاسبة عن الجرائم الاقتصادية.
فالكِتاب يعتبر بنية معرفية خاصة في مجال العدالة الانتقالية ركز على بعض آليات التـي اعتمدها الأمم المتحدة في دعم ووضع قواعد ونهج العدالة الانتقالية لأجل بناء وترسيخ قيم الانتقالات الديمقراطية وتقديم الحماية للمبادئ العامة لحقوق الانسان في بعدها الدولي للدول التـي عرفت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وذلك لأجل إقرار السلم والسلام الدوليين وفق قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي والقانون الدولي للاجئين، وإقرار آليات العدالة الانتقالية من خلال تأسيس لجان الحقيقة ومعرفة الحقيقة من خلالها ونهج التعويضات وضمانات عدم تكرار الانتهاكات والقيام بالإصلاحات المؤسساتية والتشريعية والانخراط في منظومة الاتفاقيات الدولية والتفاعل مع مختلف أنشطتها.
كما وقف المؤلف على نهج الأمم المتحدة في تقديم المساعدات والتدريبات الميدانية لتنفيذ عمليات العدالة الانتقالية بعد الاستيعاب الميداني للثقافات والأعراف والتقاليد الاجتماعية، كما باشرت إدارة الأمم المتحدة في بعض التجارب إدارتها لأجل إقرار السلام والسلم الاجتماعي ونبذ العنف والصراع والحروب الأهلية بين الأطراف المتنازعة كـ: تيمور الشرقية وغواتيمالا والسلفادور…، إلى جانب نهج المفوضية السامية لحقوق الإنسان لإقرار المشاورات الوطنية وإصلاح قطاع العدالة وتعزيز سيادة القوانين الأساسية في البلاد كالدستور والقانون الجنائي وغيرها من الأولويات….وتوعية المجتمع بأهمية التغيير وترسيخ قيم الديمقراطية ونُبلها وتعزيز دور المؤسسات الوطنية المختصة في مجال حقوق الإنسان لما لها من دور في تتبع مقاربة العدالة الانتقالية بعد نهاية عمل لجان الحقيقة والمصالحة.
كما يؤكد المؤلف دور المؤسسات الوطنية في قيادة آليات العدالة الانتقالية منذ البدء إلى تتبع تنفيذ توصيات لجان الحقيقة، وهذه الأخيرة تعتمد على محددات ومرتكزات أساسية من حيث التأسيس لأجل بلوغ الأهداف لتحقيق المصالحة الاجتماعية، غير أن تلك المحددات تختلف من تجربة إلى أخرى، حسب قوة مكونات المجتمع المدني باعتبارها آلية من آليات الضغط وتأثيرها على القرار السياسي من داخل الأنظمة السياسية.
فالمؤلف يستعرض دور هذه لجان الحقيقة وكيف تلتقي من حيث الشكل أو الهدف في ترسيخ قيم العدالة الانتقالية ومحاولة القطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لضمان الاستقرار والسلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية والانتقال من اللاستقرار إلى الاستقرار وتختلف من تجربة إلى أخرى من حيث الجوهر (مدة التحقيق، صلاحيات اللجنة، طبيعة العنف، طبيعة النظام السياسي…).
لذلك ارتكز الكتاب على تحديد العناصر الأساسية للمحددات الإجرائية لآليات العدالة الانتقالية بكون أن بعض تجارب لجان الحقيقة اعتمدت على نُهج يُراعى فيها آليات والمبادئ الكبرى للعدالة الانتقالية كالمشاورات الوطنية والنوع الاجتماعي ومعرفة الحقيقة ومبدإ عدم الإفلات من العقاب والتعويضات وحفظ الذاكرة وأخرى لم يتم مراعاتها بشكل يتماشى مع مطالب الضحايا والمجتمع بصفة عامة أو النهج الدولية، حتى التـي أولت لها أهمية ضمن تشريعاتها أو قراراتها فقد استبعدتها على مستوى التطبيقي أو الميداني مما خلقت استياء كبير لطرق معالجة والطي النهائي لملف الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان لدى الضحايا وذويهم.
ولذلك يشير الدكتور بوجعبوط إلى بعض التدابير الإجرائية منها على الخصوص مدى تطبيق مبدإ عدم الإفلات من العقاب والافلات من العقاب وعمقه وأثره الاجتماعي بعد الاعتماد على مقايضتها في بعض التجارب كالعفو مقابل الحقيقة والتـي لم تخلوا من الانتقادات الموجهة لها، وتجارب أخرى نهجت نهجا مخالفا بإقرارها قوانين العفو لعدم اثارة المسؤولية الفردية لمنتهكي حقوق الإنسان بعيدا كل البعد عن المواثيق الدولية التـي تقر ضمن آليات العدالة الانتقالية مبدإ عدم الإفلات من العقاب.
ويركز المؤلف كذلك على كلا الأطروحتين (العفو والمقاضاة) وفق إطار معرفي وكذا قواعد القانون الدولي ومدى مساهمتهما في ترسيخ قيم المصالحة وعدم المصالحة، وعرض الكتاب تاريخ التعويضات وأهم قواعده الأساسية وبعض آليات جبر الضرر ومدى مساهمتها في ترضية الضحايا وإدماجها في مقاربة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بعدها المجالي أي التأهيل الترابي للمناطق التـي تعرضت للإقصاء أو التطويق السياسي ذات أمد طويل أو غيره.
ويؤكد الباحث المغربي بوجعبوط من خلال كتابه الغني أن بعض نهج العدالة الانتقالية استحضرت المجال الترابـي في معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان قصد تحقيق التنمية الاقتصادية للمناطق التـي عرفت بالانتهاكات بينما تجارب أخرى استبعدت حتى الخوض في المحاسبة عن الجرائم الاقتـصادية. وفتح السيد بوجعبوط سؤاله حول مدى استعادة المنطقة (المجال) فرصة العدالة الانتقالية في التنمية أو التكامل الجغرافي بشكل متساوي مع باقي الأقاليم الأخرى؟
عذراً التعليقات مغلقة