لماذا لا يقرأ المغاربة جرائدهم الورقية؟

6 نوفمبر 2019
لماذا لا يقرأ المغاربة جرائدهم الورقية؟

عادل الزبيري

سرني خبر انطلاقة حملة غير مسبوقة للتشجيع على قراءة الصحافة الورقية المغربية، فالفكرة جميلة فعلا، وتستحق كل تصفيق، ولكن في تقديري، لا بد من الوقوف للتأمل، لأني قارئ جيد ودائم للصحافة الورقية المغربية، سواء اليومي منها أو الأسبوعي.

وليس من باب المجاملة، أحرص على قراءة افتتاحياتك الأسبوعية أستاذي نور الدين مفتاح، منذ اشتغالك سابقا في أسبوعية “الصحيفة”، وحاليا في منشورك الصحافي الأسبوعي “الأيام”، وأتقاسم فيسبوكيا في بعض الأحيان افتتاحياتك، لأنني أجدها تعبر عن أفكاري.

وأعتقد أن الصحافة الورقية في المغرب لا يقرؤها المغاربة لأسباب ترتبط بتغير النموذج الاقتصادي للصحافة عبر العالم، ولكن أيضا لأعطاب تعيشها الصحافة المغربية الورقية.

ومن أسباب عدم قراءة المغاربة للصحافة، من متابعتي، تكرار المواضيع في الصحف، وتشابه العناوين، وغياب النفس الإبداعي لدى الصحافي المهني، لأنه يشتغل غالبا تحت سقف الظروف الضامنة لعيش كريم، وإيقاف التفكير في مصاريف الشهر.

ولازال الصحافي المغربي، العامل في صحيفة ورقية مغربية، يشبه في الغالب عاملا بروليتاريا، يشتغل 6 أيام في الأسبوع، فيما راتبه الشهري في الغالب لا يكفي، ويجري إرهاقه بملفات أسبوعية، تمتد على الأقل لصفحتين اثنتين على أقل تقدير.

فيما يتحدث غالبية الصحافيين المهنيين المغاربة عن محدودية الراتب الشهري، وعدم تطبيق غالبية بنود الاتفاقية الجماعية، وغياب الاستفادة من 30 يوما من العطلة السنوية؛ مع علامات استفهام كثيرة يثيرها الجسم الصحافي المهني المغربي حول ملف الدعم التكميلي للصحافيين.

لم يعد مقبولا أن تستمر في المغرب، في تقديري، أمراض مهنية، أفظعها ضعف رواتب الصحافيين، واشتغالهم تحت ضغط نفسي وعصبي رهيب، وسلوكيات انتقامية من رؤساء التحرير؛ وما لم يصل إلى الرأي العام المهني ربما يبقى أسوأ.

ويحتاج الصحافي المهني المغربي إلى حماية قانونية، وإلى إعادة اعتبار مهني ومالي واعتباري، لأنه للأسف الشديد حاليا في وضع لا يبشر بإمكانية استمرار في الحياة بالنسبة للجريدة الورقية.

وأعتقد أنه رغم اختيار ممثلة وممثل، مع احترامي لما يقدمانه في التلفزيون وفي السينما، فالحملة لن تجدي أي نتائج إلا مزيدا من الطلاق البائن بين القارئ وبين المنتوج، أي الصحيفة الورقية.

ولأنني متابع يومي للصحافة اليومية والأسبوعية الورقية مغربيا، أجد كل عوامل تنفيري عن شرائها، فالصحف الورقية لم تتطور، إذ تظل الصفحات الأولى تعاني اكتظاظا في العناوين وفي الصور، وسوء اختيار غالبا في الألوان.

في شارع محمد الخامس بالرباط أطالع اليوميات، فأجد تقاربا وغيابا حقيقيا للبحث عن الانفراد أو التميز. وهنا لا ألوم الصحافيين لأنني خبرت ظروف اشتغالهم، ولكنني ألوم “الباطرون”، أي مالك المقاولة الصحافية، ومدير النشر ورئيس التحرير أولا وأخيرا.

نحن في المغرب في حاجة إلى صحافة قوية جدا، تصنع وتوجه الرأي العام المغربي، بإثارة القضايا الحقيقية، بعيدا عن تفاهات مواقع التواصل الاجتماعي، ومطاردة شرارات الأكثر مشاهدة على يوتيوب.

فلما تتصفح الجريدة الورقية تجد أن المواد الإخبارية في الغالب تتكرر. وهنا لا بد من الاعتراف بأن المصادر مقفلة مغربيا، ومسألة الوصول إليها محدودة جدا.

ومع صعود ما تمسى الصحافة الإلكترونية في المغرب، وهذه تسمية غير مهنية، ولكنها اختراع مغربي، تجد مواد منشورة على المواقع، أو على حسابات صحافيين على مواقع التواصل الاجتماعي، طريقا إلى التحول إلى مادة صحافية معادة في الجريدة الورقية، في اليوم الموالي.

كما لا يمكن عدم إثارة نقطة أخرى؛ وصول الجريدة الورقية في الساعة 15.00 إلى مدينة الرباط، بينما لم ينتهي النهار بعد، ولازالت أحداث أخرى ستقع، وتحتاج إلى تغطية صحافية في اليوميات الورقية.

تحتاج العائلة الصحافية اليومية والأسبوعية إلى إعادة تأهيل مهني، عبر التكوين المستمر، الغائب عن غرف التحرير، إلا ما كان مبادرة فردية من الصحافيين.

وللأسف الشديد، يجب الاعتراف بالفشل الجماعي في إنتاج قانون صحافة مغربي أقرب إلى هموم المهنيين الممارسين، وأبعد عن منطق التوافقات الحزبية والسياسية، بغية أن يحدد المهن الصحافية بالتدقيق؛ ما تسبب في غزو للفضوليين لمهنة الصحافة، فباتت مهنة من لا مهنة له، وظهر من أسميهم الكهربائيين، فيما لازالت ما تسمى الملاءمة لم تنتج تقنينا لدخول بلاط صاحبة الجلالة المغربية.

وأما الصحافة الحزبية فهي تحتضر عمليا، لأنها جرائد لا يمكن شراؤها، لأنها منشورات حزبية دعائية في الغالب، وليست صحافة بالمطلق.

في الصحافة المغربية المطبوعة غياب ملحوظ للأجناس الصحافية الكبرى، مثل الاستطلاع والتحقيق، إلا في حالات قليلة جدا؛ فيما تقليد الملف الأسبوعي هو الباصم لليوميات في عدد نهاية الأسبوع، أي يومي السبت والأحد.

بينما لازالت الصياغات الإخبارية تعتمد الجملة الطويلة جدا، ويبقى حجم الخبر الدولي قليلا، وتقنية صناعة العناوين شبه غائبة، إلا في تجارب قليلة، كما لازال دور المخرج للجريدة الورقية محدودا جدا.

وهنا لا يمكن نفي أن النموذج الاقتصادي للجريدة الورقية في المغرب وصل إلى نقطة النهاية، ففي تجارب مقارنة أنتجت المقاولة المكتوبة فروعا على الإنترنت، واستثمرت في إنتاج المحتوى المصور، بطريقة مهنية، لضخه في حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

الأزمة الحالية في الصحافة المكتوبة، من يومية وأسبوعية، تسائل الجسم الإعلامي المغربي.

وللأسف الشديد، لم يقدم المجلس الوطني للصحافة، الذي مارس إقصاء ممنهجا ضد الصحافيين المغاربة المعتمدين، أي مبادرة لتطوير الجسم الإعلامي المكتوب، إلى غاية الآن، ما يعني في تقديري أن إكرام الصحافة المطبوعة في المغرب هي دفنها قريبا.

بينما يراهن الجميع على الكهربائيين ليكونوا أرانب سباق، وليكونوا قاعدة انتخابية في النقابات المهنية، وفي ممارسة الضغط العددي على الحكومة في إخراج أموال الدعم المالي.

وقبل مغادرة هذه النقطة، لا بد من تشديدي الدائم على احترام المواقع الإخبارية المهنية على الإنترنت، ولو على قلتها.

وأتساءل هنا بعقلانية، أليس المتواجدون في المجلس الوطني للصحافة، من قيادات، في حالة تناف مهني وأخلاقي، بتواجدهم أيضا في نفس الكراسي القيادية في أكبر نقابة للصحافة في المغرب؟ ألا يوجد في الجسم الصحافي المغربي من نقابيين من الجيل الجديد قادرين على تسلم المشعل؟.

وبالعودة إلى المقروئية في الصحافة المغربية المطبوعة، مقاربة الموضوع بالاعتماد على ممثلين مغاربة لا تخرج في تقديري من باب المحاولة، وهي بطبيعة الحال محمودة، ولكنها في توقعي ستفشل، في ظل غياب دراسة علمية لأسباب عدم قراءة جريدة عبر شرائها بـ4 أو بـ5 دراهم؛ فيما يمكن للمواطن المغربي أن ينفق 50 درهما دفعة واحدة في جلسة واحدة في ساعة واحدة في مقهى.

أقترح لإنقاذ الصحافة المغربية المطبوعة، المهددة بالانقراض عمليا إذا أوقفت الحكومة المغربية دعمها المالي، فتح نقاش مهني حقيقي، لا يقصي أحدا، ويكون بعيدا عن الخندقة النقابية والحزبية والسياسوية، ولماذا لا مناظرة مغربية لإنقاذ المطبوع في الصحافة المغربية.

وهذا الرأي مساهمة متواضعة للترافع العقلاني والمهني في مواجهة وضع مريض جدا تعيشه الصحافة في المغرب، فهنالك إرادات تجمعت، عن قصد أو عن غير قصد، أنتجت مؤسسات إعلامية مغربية، تصدر في أسوأ مناخ مهني، يوميات أو أسبوعيات.

ودعوتي للنقاش منطلقها غيرة صادقة على مهنة الصحافة، واحتراق داخلي لما أراه يوميا، وليست لي أجندات ولا حسابات ولا محاباة لأي كان، ولست ضد أحد، ولا مع أحد..أنا صحافي مغربي.

وفي النهاية، أخبركم الأستاذ نور الدين مفتاح أنني سأواصل شراء اليوميات والأسبوعيات وقراءتها، كمواطن مغربي قارئ، قبل أن أكون صحافيا.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

    موافق