المعركة
كشفت التحديات والإكراهات، التي تعيشها المملكة هذه الأيام، في مواجهة تداعيات وباء كورونا المستجد كوفيد -19، المعدن الأصيل للمغاربة، الذي تجسّد في انخراطهم العفوي والتلقائي لتقديم المساعدة لبعضهم البعض، ودعم الفئات المحتاجة والمتضررة من قرار فرض السلطات العمومية لحالة الطوارئ الصحية.
فبين التبرع بالمال عن طريق المساهمة بأُجرة شهر أو نصفِه، لدعم صندوق مواجهة جائحة كورنا، وإطلاق مبادرات فردية لمساعدة أسر متضرّرة، وتقديم خَدمات مجّانية لفائدتهم، وإيواء الأشخاص في وضعية الشارع، وإعفاء بعض الأسر من واجب كراء المنازل، وتقديم مواد غذائية بالمجان، أظهرت “أزمة كورنا” أن المغاربة على قلب رجلٍ واحد، وأنهم في اللحظات الصعبة والحرِجة يقفون صفًّا واحدًا لدعم بعضهم البعض.
نماذج مشرقة
وفي هذا الصدد، تداول عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، نماذج “مشرقة” من التضامن والتآزر والتكافل التي أبان عنها المغاربة خلال هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها المملكة، كغيرها من دول العالم في مواجهة تداعيات جائحة كورونا.
ومن ضمن هاته النماذج، التي حظيت بثناء واستحسان كل من اطلع عليها، محادثة دَارتْ بين مُكري ومكتري، أعفى فيها الأول الثاني، من أداء واجب كراء شهرين متتالين بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد، وذلك بعدما أخبر المكتري المكري، أنه سيضطر لتأخير أداء الكِراء، عقب توقفه عن العمل نتيجة إقرار حالة الطوارئ الصحية.
ومن جانب آخر، أطلق نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي مبادرة تروم توفير أماكن وفضاءات إقامة للأطقم والكوادر الصحية التي تكافح فيروس كورونا بالمستشفيات المغربية.
وتهدف هذه المبادرة، التي أطلقها نشطاء مغاربة على منصة “تويتر” إلى تنسيق الجهود من أجل توفير أماكن إقامة للأطباء والممرضين والعاملين في المجال الصحي الذين يعالجون المصابين بفيروس كورونا.
وتأتي هذه المبادرة، بعد إطلاق مجموعة من الأطباء بمستشفى ابن رشد بالبيضاء نداء إلى الساكنة المجاورة للمستشفى من أجل منحهم أماكن للإقامة بسبب ضغوط العمل وعدم تمكنهم من العودة لمنازلهم.
وإضافة إلى ما سبق تداول رواد منصات التواصل الاجتماعي، صورة للافتة معلقة على مدخل إحدى المخابز، مكتوب عليها “أخي العزيز وفي هذه الظروف الصعبة التي نعيشها، إذا لم تتوفر على المال فلا تستحيي وتترك عائلتك بدون خبز..تفضل وخذ حاجتك من الخبز مجانا”، وهذه أيضا واحدة من ضمن المبادرات الإنسانية، التي تؤكد تحلي المغاربة بقيم الإخاء والتضامن.
وعلّق مستشار رئيس الحكومة محمد عيادي، على هذه المبادرة، التي أعلنت عنها إحدى المخابز بمدينة الرباط، قائلا: “مبادرة تثلج الصدر وتنضاف لمبادرات كثيرة.. محنة كورونا تبرز الحس الإنساني الراقي، والبعد الاجتماعي والتكافلي الساكن في أعماق أبناء بلدي.. أفتخر بمغربيتي”.
مبادرات إنسانية
وفي سياق هذه التعبئة الشعبية الشاملة لمواجهة تداعيات كورونا بالمغرب، أطلقت مؤسسة التعاون الوطني بتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني، وبتعاون مع السلطات المحلية، حملات على صعيد مختلف تراب المملكة، لإيواء الأشخاص في وضعية الشارع، وتوفير التغذية لهم ومواد النظافة والتعقيم، للوقاية من فيروس كورونا.
وكشفت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة جميلة المصلي، في هذا الإطار، عن إطلاق مبادرات بمجموعة من المدن المغربية منها وجدة، انزكان، أكادير، طنجة، الدار البيضاء، الرباط، القنيطرة…، من خلال توفير فضاءات ومراكز لإيواء الأشخاص في وضعية الشارع، وذلك في إطار المساعدة الاجتماعية التي تقوم بها مؤسسة التعاون الوطني بتنسيق مع السلطات المحلية والجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني المتخصصة.
وقالت المصلي، في تصريحات إعلامية، إن هذا الإجراء يأتي في إطار الإجراءات الاحترازية ذات الصبغة الاستعجالية المتخذة لمواجهة الوضع الاستثنائي الذي تعيشه المملكة، وقاية لهذه الفئة من خطر تفشي فيروس كورونا المستجد.
روح التضامن
وفي تعليقه على هذه المبادرات الإنسانية، التي أطلقها المغاربة، قال أستاذ علم الاجتماع علي الشعباني، إن مثل هذه المبادرات ليست غريبة على المجتمع المغربي، الذي تعود على التآزر والتضامن، في وقت الشدة والأزمات، مبرزا أن المجتمع تربّى ونشأ على هذه القيم النابعة من ثقافته الإسلامية العريقة، المتشبعة بروح التضامن والإخاء والكرم والسخاء.
وأضاف الشعباني، أن السخاء والشهامة من العادات المتجذرة في تقاليد المغاربة، بحيث لا يتردّدون عبر تاريخهم في تقديم المساعدة لحظة الأزمات، مسجلا أن “المغاربة عبر تاريخهم عوّدونا دائما على مواجهة المخاطر بمثل هذه المبادرات، من خلال الوقوف الجماعي في صف واحد، وتحمل التكاليف والأعباء الناتجة عن الآفات والكوارث والأزمات”.
عذراً التعليقات مغلقة