المعركة
ببغاوات المساواة بقلم: حسناء شهابي
مغرب اليوم ليس مغرب الأمس ومجتمع اليوم ليس مجتمع الأمس، وملف مساواة الأمس ليس مما كان عليه قبل. والتحولات التي نعيشها ليس كسابق عهدها سياسيا وثقافيا.. فألا يتوقفوا الحقوقيون والحقوقيات والمحللون السياسيين والسياسيات لملف المساواة والمناصفة على القاموس الروتيني الذي أصبحوا يتغنون به ويرددونه كموال.
معظم القنوات الإعلامية تصدح على إيقاع واحد في قضية المساواة حيث الطرب بلحن متوغل في التمييز الإيجابي وتكافؤ الفرص في البرلمان بغرفتيه، الجماعات الترابية، الجهات ومناصب المسؤولية.. بدون الغوص في التفاصيل المعاصرة بلغة تحليلية ومنطقية، وبدراسات سياسية معرفية تخطيطية متجددة مبنية على التقييم والمعطيات الحديثة مع إعطاء حلول كضمانة موضوعية خصوصا بعد ما تم الإخفاق في المقاربات المعتمدة للرفع من تمثيلية النساء وليس المساواة.
يبدو أن المعزوفة الببغاوية تجدرت في أذهاننا حتى أصبحت أسطوانة بشرية ابتلينا بها في حقل الإعلام والسياسة، فمن يتابع ضيوف البرامج السياسية والفكرية، يشاهد نماذج للببغاوات بشرية تعيد وتكرر الخطابات والعبارات التي يتم سماعها من أفواه أخرى من حوارات أخرى ومن قنوات أخرى، أو وسائل إعلامية أخرى، وكأن المتدخلين صاروا بأفكار شفافة ترسم على الجبين، تكاد ببصرك تقرأها بسرعة، وما هم في الحقيقة إلا ببغاء يحاولون أن يثبتوا أنفسهم ويتبجحوا من خلال تركيب بعض العبارات التي اقتبسوها واسترقوها من هذا المحلل أو ذاك السياسي أو تلك القناة.
في الحقيقة لا يصلح العطار ما أفسده الدهر لكن هنا بالذات لا يصلح الدهر ما أفسده العطار عند متابعة بعض المتدخلين والحقوقيين والسياسيين أو “جهابذة المساواة” أو “عمالقة الفكر السياسي” وهم يتحدثون للعامة عبر وسائل الإعلام ولا يستطيعون التفريق بين الفرص والتهديدات، ولا يعرفون الخط الفاصل بين الهدف والوسيلة، لا يتوفرون عن رؤية مستقبلية فتراهم يغنون ويرددون ثم يصرخون وينوحون على الشاشات و نحن الماتبعين نتابع ولا نستوعب شيئا.
ما يحز في أنفسنا هو أن المطالبة بالمساواة والمناصفة في البرامج والحوارات أصبحت قرينة بالمناصب وجمالية بروفايلات المسؤولية التي تطعم الريع والانتهازية وحلم الوصوليات.فأين نحن من مساواة في المطالب وليس مطالب المساواة؟ ومن إنصاف في قضايا مصيرية لنساء؟ مثل نساء لقمة الحدود، حمالات متنقلات عبر الجمارك المغربية- الاسبانية منحنيات الظهر بثقل البضائع تتجاوز وزنهن في بعض الأحيان و كأنهن يعملن في تجارة شاقة تخفي وراءها جبلا من المعاناة. و الطرف الآخر ما زال مشغولا بالأخذ والرد، والشد والجذب، والتعامل مع ردود الفعل على تصريحات جوفاء لا يمكن للإنسان الواعي أن يعول عليها في تجاوز هذه الاكراهات وبناء دولة أو مجتمع أو منهجية فكرية.
الفجوة ما زالت تتسع بما أن نقاش مطالب المساواة في الحقل الإعلامي كغيره اختزلت في المناصب القيادية ومراكز صنع القرار فقط والظلم ثم القهر في باقي الحياة.هنا أستحضر ملفات حساسة على رقعة الشطرنج الحقوقي. شهيدات الأقبية السرية اللواتي لقين حتفهن في مقر عملهن و نساء ضحية القفة الإحسانية بإقليم الصويرة منذ 4 سنوات وإلى غاية اليوم لم تختفي كل هذه الوقائع الدرامية في حق النساء ولم تتدخل مطالب المساواة إلى صيانة كرامة النساء واحترامهن بتوزيع المساعدات عن طريق بطاقات الشراء حتى لا يموتن تدافعا على الكيس أوالبحث عن حلول آخرى . إذا ما بقيت دار لقمان على حالها ستنغرس المساواة في الفئوية منعزلة عن أي مساهمة في بناء مجتمع أكثر مساواة وشمولية وابتكارا واستدامة ومرونة.
لهذا فحاجتنا اليوم ماسّة لعقليات ترافعية ذات قدرات تخطيطية تستوجب ميلاد جيل يفهم علم المساواة، الانصاف والمناصفة؛ ويعرف أبجديات الحقوق وأبجديات القوانين ثم أبجديات السياسة الوطنية والمحلية ليقوم بعملية تشخيص ودراسة واعية لكل هذه المعطيات، ويقدم الحلول الإبداعية في ظل الممكن والمتاح، ولسنا بحاجة إلى نسخ كربونية من حقوقيين ينعقوا بلا وعي ولا بصيرة.
عذراً التعليقات مغلقة