المعركة
ارتباطا بالأحداث الجارية بمنطقة العرجة ومارافقها من إقدام الجارة الشرقية على طرد مزارعين مغاربة من أراض كانوا يستغلونها لسنين طويلة؛ أجرى موقع “المعركة” حوارا بهذا الخصوص مع صبري لحو، الخبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء، والمحامي بهيئة مكناس، وذلك بغية الوقوف على حيثيات القضية:
س: كيف تفسرون عدم قيام المغرب بأي رد فعل رغم إقدام العسكر الجزائري بطرد الفلاحين المغاربة من منطقة العرجة؟
ج: صحيح التزمت الدولة المغربية، حتى الآن، سياسة ضبط النفس، بل انها بادرت الى اتخاذ اجراءات احترازية ووقائية مع الساكنة درءا لدخولهم في احتكاك مباشر مع العسكر الجزائري. ويتفاقم الترقب أكثر مع عدم وضوح لغز الصمت الديبلوماسي المغربي، بعدم تسجيله اي احتجاج ولا استدعاء للسفير الجزائري.
وبغض النظر عن القراءات والتفسيرات المتعددة والمتباينة التي رافقت التصرف الجزائري؛ بين من أرجعه الى ردة فعل على النجاح المغربي في الكركرات ميدانيا ديبلوماسيا وفي كل المنطقة العازلة قانونيا وأمميا. او في اطار محاولة تصريفها للأزمة الداخلية، او حتى تنفيذها لأجندة خارجية ذات خلفية اقتصادية في مواجهة المغرب؛ فان ردة الفعل المغربي الذي لاذ بالسكوت حتى الآن تثير بدورها أكثر من قراءة وتطرح أكثر من سؤال وعلامات الاستفهام. والأكيد أن القاعدة تقول أن من بادر واختار لنفسه المكان لا يمكنه اختيار الوقت والزمن .
فقاعدة التوازن والتفكير الاستراتيجي تلزم المغرب بضبط النفس، لاستيعاب الأهداف والخطط الجزائرية المفروض أنها مرسومة من قبلها قبل اقدامها على الفعل بتوجيه الانذار بالافراغ والاخلاء للمواطنين المغاربة. بعد الفهم المغربي للرسالة الجزائرية الواضحة والمبطنة ومن كافة نواحيها، يأتي وضع المغرب لخطة التصرف مع الوضع ، ولربما عن طريق القيام بالفعل او حتى بالامتناع عنه، ونستعمل عبارة ربما لأنه قد لا يكون ضروريا.
س: ضعنا في السياق التاريخي والقانوني لاتفاقية افران الخاصة بترسيم الحدود وحسن الجوار، ولمن تؤول المنطقة موضوع النزاع؟
ج: بين الرأي الذي يعتبر القطعة الأرضية في العرجة جزائرية و معترف به من قبل المغرب للجزائر بمقتضى اتفاق حسن الجوار وترسيم الحدود بافران سنة 1972، التي تجعل الحد الفاصل بينهما على مستوى تلك المنطقة بوادي العرجة. وتجدر الاشارة هنا إلى أن هذه الاتفاقية لم يصادق عليها المغرب في وقتها بالنظر الى الصراع الذي كان في تلك المرحلة بين الملكية في شخص الملك الراحل الحسن الثاني وبعض الأحزاب الوطنية، وخاصة حزب الاستقلال برئاسة علال الفاسي الذي كان يعارضها. وكان حزب الاستقلال يؤمن بالمغرب الكبير. وخشي الحسن الثاني آنذاك عرضها للمصادقة البرلمانية، ويكون مآلها الرفض، الشي الذي قد يضعه في احراج، واختار تأجيل ذلك.
هذا الموقف بعدم عرض الاتفاقية على المصادقة فسرته الجزائر في وقته مشاكسة ومماطلة ومناورة مغربية، وقامت نكاية بالمغرب بخلق البوليساريو وايوائه وتموينه وعسكرته والترافع عنه قاريا ودوليا وأمميا رفقة ليبيا القدافي .
وفي مقابل هذه الصورة والوضعية، التي تركن إلى تحديد ملكية الأرض عن طريق الخوض في الاقرار المغربي الثابت في معاهدة افران رغم عدم قيام التحديد وعدم انجاز الرسم وتسطير الفصل، يجعلها غير نهائية.
س: هل توجد دلائل وحجج في القانون الدولي تؤيد المركز المغربي؟
ج: وبجانب الرأي المشار اليه في الجواب أعلاه يوجد رأي آخر مقابل أتزعمه ينطلق من الطريقة القانونية لتنفيذ الاتفاقيات المضمنة لالتزامات متقابلة، والذي يعطي للطرف المغربي حق عدم تنفيذ التزامه أمام عدم تنفيذ الطرف الجزائري لالتزامه المقابل بدعم مغربية الصحراء بعد اعترافها واقرارها أنها لا تدعي حقوقا فيها. بغض النظر عن مصير فرضية قيام أو عدم قيام عمليات التحديد ورسم وتسطير الفصل الذي تتحدث عنه الاتفاقية.
فالاتفاقية بنيان تعاقدي لا يمكن تجزئته، وهو السر الذي تفطنت اليه الجزائر، لأنه تقابل الواجبات والالتزامات معيق قانوني يحول بينها وبين ادعاء اية حقوق في اطار تلك الاتفاقية سواء ديبلوماسيا او تحكيما، أو حتى قضاء لدى محكمة العدل الدولية.
فالجزائر تعلم علم اليقين، وفي علم خبرائها ومستشاريها في القانون الدولي أنه لا يمكنها مباشرة الدعوى الناتجة عن التزامات متقابلة إلا بتنفيذها التزامها او عرض تنفيذه.والحال أن الجزائر في انتهاك واخلال مستمر بكل التزاماتها. واستعجلت الأمر واختزلت الاجراءات وتجاوزتها، ولجأت بمبادرة مادية ومباشرة في الميدان ضدا على القانون الدولي والأعراف الديبلوماسية لتغيير وضع قائم يستند حتى الملكية و الحيازة، وعلى مبدأ ضرورة احترام مظهر الاستغلال المحلي، التي جعلت من قبيلة اولاد سليمان المستغلين المالكين و الحائزين و المستغلين لتلك القطعة.
س: هل أخطأت الجزائر في طريقة لجوئها المباشر عند الساكنة والفلاحين المغاربة؟
ج: نعم، في متناول الجزائر قنوات وآليات واجراءات ومساطر في إطار تعاملها الديبلوماسي المباشر مع المغرب يجب اللجوء اليها؛ منها النفارضات والتحكيم او حتى عرض الأمر على محكمة العدل الدولية عوضا عن التدخل العسكري مباشرة لدى الساكنة والمواطنين المغاربة. وهي طرق لم تسلكها الجزائر، وسقطت من حيث تدري، و تترصد وتتربص، أو من حيث لا تدري، و لا عذر لجهلها في خطأ جسيم يكيف تدخلها وفقا لميثاق الأمم المتحدة بالعدوان، و يعطي للمغرب حق الدفاع عن نفسه.
س: هل تعتقدون أن المنطقة مقبلة على تصعيد متزايد أم أن المغرب لن يقم بأي رد فعل ؟
ج: ان اختيار الجزائر لهذا الأسلوب الذي ترمي من ورائه استفزاز المغرب وجره إلى الوقوع في شباك خطة أو فخ أعدت عناصرها، هو نفسه الذي يفسر الصمت المغربي حتى الآن رغم تصريح العثماني الشارد واليتيم أنه عمل مدان وغير مقبول.
وقد يفسر الصمت شبه المطبق هو من أجل اعطاء المغرب لنفسه الفرصة والوقت لمزيد من الفهم والاستيعاب قبل رسم الرد و طريقته في اطار خطة، واختيار وقت تنفيذ هذا القرار .
الأكيد أن الحزم والصرامة الذي أظهره المغرب في تعامله مع حماية وصيانة سيادته على كل الأوجه والأصعدة وفي مواجهة أعتى وأقوى القوى، كل ذلك يؤكد أن المغرب لن يتوان ولن يرضخ لأي مس بهذه السيادة وتوفير الحماية لأمن وممتلكات مواطنيه. وأكيد أن الرد سيكون قاسيا ، لكن في اطار تنفيذ وتدبير المغرب لعناصر سياسة وخطة الحسم النهائي للنزاع.
عذراً التعليقات مغلقة