إبراهيم أونبارك يكتب: حينما يكون المواطن عدو نفسه..

22 فبراير 2025
إبراهيم أونبارك يكتب: حينما يكون المواطن عدو نفسه..

المعركة

حينما يكون المواطن عدو نفسه…

بقلم: إبراهيم أونمبارك

مشاهد تكسير وإتلاف ونزع وسرقة الممتلكات العامة والخاصة، شباب يقطعون شبابيك ملعب للقرب، هؤلاء يزيلون قضبان حديدية وُضعت لتفادي سقوط المواطنين في حفرة على جنبات طريق عمومية، وآخرون يقذفون الحجارة على حافلة النقل الحضري، وعشرات الأحداث والمشاهد التي لا يمكن إلا أن تدمي قلب كل من يحمل ذرة حب لهذا الوطن. كما لا يمكن إلا أن يتسأل كل من له غيرة على سمعة وصورة البلد ويقول: من المسؤول عن كل هذا؟

سيكون جواب هؤلاء الشباب، ما سمعته مرات عدة: هذه خيراتنا أخذتها “الدولة” أو أخذها “المخزن”. وهو جواب لابد ألا يمر دون تمحيص سيقودنا إلى ما قد نسميه “لعبة المسافات التدبيرية” التي فشل الفاعل المحلي والجهوي ومختلف الحكومات في الاشتغال عليها، وهذه هي المسافات التي، بدون قراءتها، بشكل مختلف لا يمكن لهذه “الظواهر النشاز” أن تنتهي.

طبعا، لا يمكن نفي الشرخ الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الذي نتج عن سياسات عمومية، اتبعت لعقود وأحدثت هذا البعد بين من يدبر من جهة، ومن ينتظر خدمات الدولة، من صحة وتعليم وبنية تحتية من جهة أخرى، إلى حد قاد هذا الانتظار الطويل لجعل الساكنة، في مجملها، تُصاب بداء “التشاؤم المزمن” الذي أدى بالساكنة إلى رفض كل ما قد يخدم مصلحتها، بل ويجعلها فاقدة للآمال التي انتظرتها طويلا، وكأنها تطبق مقولة غاندي التي قيلت في سياق آخر طبعا: “كل ما تفعله دون علمي فهو ضدي”.

هذه السلوكات التي أقل ما يمكن القول عنها أنها “درجة الصفر في المواطنة”، تظهر وتخفت، تزداد وتنقص، لكنها حاضرة في القرى والمدن وبنسب متفاوتة، وفي كل الأحياء، الراقية منها و الهامشية، و تنم في عمقها، عن أبعاد عدة، حان الآوان لإعادة معالجتها بطرق مغايرة، لكوننا أمام مغرب مقبل على مشاريع كبرى لم تعد معها هذه الظواهر التي يكون فيها المواطن عدوا لنفسه مقبولة. وناجمة في شموليتها عن ثغرات تنظيمية لدى المؤسسات المدبرة للشأن العام وعلى صعيد مختلف المستويات:

1- مشكلة تحقيق استدامة المشاريع الجماعية:

من المعلوم أن البنية التحتية للمدينة وتجهيزاتها ومرافقها، ترتبط في تشييدها وإصلاحها ومواكبتها بالمجالس الجماعية المحلية، وتمتلك بشأن ذلك، ترسانة قانونية تخول لها توعية المواطنين للحفاظ على هذه المنشآت والمؤسسات التي وضعت لخدمة المواطنين، لكن أغلب الجماعات الترابية، حتى وإن استطاعت تنفيذ برامجها في تقوية البنية التحتية لا تهتم بمشروع أساسي هو: الحفاظ على ما تم تشييده، سواء عبر الصيانة أو عبر مواكبة المشاريع التي أنجزت، ومن يتابع التدبير الجماعي في العديد من المدن والقرى، سيجد مؤسسات( رياض أطفال، نوادي نسوية، مركبات ثقافية، …) مغلقة أو تحولت إلى مرتع لقطاع الطرق أو إلى مطارح للنفايات ومراحيض “غير عمومية”، لكن ما لم يُفعل إلا ناذرا، هو تلك الشرطة الإدارية الساهرة على تطبيق مساطر متابعة مثل هؤلاء الذين يخربون الممتلكات العامة والخاصة تحت دافع انتقامي مجاني يجعلنا أمام : درجة الصفر في المواطنة. ويكون المبرر في ذلك أن المستشارين الجماعيين الذي يتغاضون الطرف عن هذه المتابعات أو الزجر خوفا من فقدان الأصوات الانتخابية التي تأتي حتما من أباء وأمهات الشباب الطائش الذي لا ينتظر سوى هدم ما تم بناؤه.

2- غياب برامج توعية داخل المدارس: هيمنة سلطة الامتحانات والفروض والنقط والمقررات الدراسية المكدسة بمعلومات ومعارف، الغرض منها ترديد ما هو صالح ليوم الامتحان من أجل النجاح، أفرغت المدرسة من محتواها التأطيري والتربوي، الذي تعوزه مثل هذه الثقافة في الحفاظ على الممتلكات العامة، ولا يكفي هنا وجود نصوص في هذا الكتاب المدرسي أو ذاك، وإنما على المؤسسات العمومية والخصوصية، القيام بخرجات إلى هذه الفضاءات العمومية المخربة يغية تحليل الظاهرة ومناقشتها والحديث عن أبعادها ونتائجها ومآلاتها الاجتماعية والتربوية وحتى القانونية بالنسبة للناشئة،

3- غياب برامج حكومية موازية للتوعية: صحيح أن كل قطاع تدبيري، يسعى من زاويته وحسب إمكاناته وما تسمح به القوانين المنظمة للعمل على تغطية النواقص على مستوى البنى التحتية وتقديم خدمات تساير متطلبات المواطنين، لكنه ناذرا ما نجد برامج توعية تصب في صميم تفادي هذه الظواهر التدميرية للمنشآت العامة والخاصة، وهنا نجد أن الوصلات الإشهارية المصورة أو الإعلانات التلفزيونية لا تكفي، بل عادة ما تهيج رد فعل سلبية لدى الشباب، كأن حال لسان هؤلاء يقول: “مادمت تلح أيها المسؤول على ضرورة الحفاظ على هذه المنشآت، فنحن سنخربها ونهدمها… مما يضعنا أمام عقلية تدبيرية مضادة.

4- ضعف الـتأطير الحزبي حول حماية الممتلكات العامة: تنشر الأحزاب السياسية بكل تلويناتها ورمزيها برامج ومشاريع ورقية تضم ما يطمح الحزب لتنفيذه، لكنها ناذرا ، أن لم نقل منعدما، وجود برامج تتجه صوب حماية الممتلكات أو المؤسسات التي تقع على عاتق هذه الأحزاب، سواء أكانت في الأغلبية أو المعارضة، وسواء أكانت تمثيليتها محلية أو جهوية، كأن دورها يقتصر، في أفضل الأحوال، على تشييد مرافق عمومية وفاء لوعدها، ولا يهمها ما بعد ذلك، سواء في جودة هذه المرافق أو في استمرايتها خدمة للمواطنين. وما زاد من معضلة هذا الغياب التأطيري، أن العقلية الحزبية، في أغلب الأحيان، هي “عقلية تدبيرية انتقامية”، يعني تكون مهمة الأغلبية تبخيس ما شيد من لدن سابقيهم في عيون المواطنين، في انتظار أن يتم التقليل مما سيُشد من لدنهم حينما سيحتلون موقع المعارضة وهذا في حد ذاته يؤسس لروح انتقامية من طرف المواطنين في ظل غياب توعية تصب في صميم العمل التكاملي والتراكمي بين الأغلبية والمعارضة، أما إحداث التناقض بين ما أنجز وما سينجز فلا يساهم إلى في تجلي ظواهر تدميرية لما تحقق وما سيتحقق مستقبلا.

5- المفهوم السائد حول “الدولة”، و”المخزن: طبعا ليس المطلوب هنا هو النبش في الأدبيات التاريخية والأنثربولوجية للمفاهيم المؤسسة للدولة، أو تلك القراءة التحليلية لمفهوم المخزن والتغيرات التي لحقته، وإنما المطلوب هو العمل على تصحيح تمثلات أغلب المواطنين حول المفاهيم المرتبطة بالسلطة ورموزها وتجلياتها الحاضرة في كل ما يجسدها: في الأشخاص والبنايات والمؤسسات، لتتقلص المسافة قدر الإمكان، لأن التراكم التاريخي الذي أسس لأطروحة أن الدولة هي العدو وأن المخزن هو “الضد” الذي لا مفر من مواجهته، أدى إلى تكريس ثقافة الهدم بدل البناء والحاق الأضرار بالبلاد والعباد، بدل الحماية والدفاع عن المنجزات والممتلكات، بغض النظر عن الجهة المسؤولة عما أُنجز أو شُيّد. لذا، حان الآوان أن تتقلص هذه المسافة، ليكون المواطن هو الدولة والدولة هي المواطن، حان الآوان لتذويب تلك الفروقات المضرة، ليكون الجسد التدبيري واحدا، فجميعنا الدولة وجميعنا مسؤولون عن قوتها وضعفها

 

 

 

 

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

    موافق
    Forbløffende optisk illusion: find et skjult menneskeligt ansigt på 15 Test for de mest Why you cannot squeeze a tea Over gennemsnittet IQ: