المعركة _ الرباط
خلافا لما تم ترويجه من قبل البعض من ادعاءات بخصوص رفع المغرب لسقف التمويلا الخارجية، فقد قدم السيد وزير الاقتصاد والمالية بمجلس النواب يوم الإثنين الماضي، عرضا مقنعا ومفصلا جعل فرق الأغلبية والمعارضة تقتنع وتصوت على مشروع مرسوم بقانون، باستثناء نائب واحد ظل متمسكا بموقفه الرافض استنادا على اعتبارات تم تفنيدها الواحدة تلو ألأخرى رغم أنه وعد بالتصويت إيجابا في حالة تقديم أجوبة مقنعة على أسئلته وهو ما التزم به وزير المالية ولم يفعل النائب. وتعميما للفائدة ننشر ملخصا عن أهم عناصر مداخلة السيد وزير المالية:
في شرح وزير المالية لخط السيولة في لجنة المالية بمجلس النواب أكد السيد وزير المالية على المعطيات التالية :
– إن الأمر يتعلق بموضوع حساس مرتبط بشكل مباشر بسيادة البلد وبأمنه المالي وبميزان الأداءات، والمتمثل في الاحتياطات الوطنية من العملة الصعبة والذي يمكن الدولة من تدبير التداعيات الاقتصادية والتجارية للأزمات العالمية، فإذا كان من الممكن تدبير الدرهم داخليا فإن تدبير العملة الصعبة ليس بنفس السهولة .
مع جائحة كورونا عدد من القطاعات المدرة للعملة تعاني من صعوبات إن لم نقل من توقف فعلي من قبيل السياحة والاستثمارات الأجنبية وتحويلات مغاربة الخارج ونفس الشيء بالنسبة لصادرات قطاع السيارات وأجزاء الطائرات والإلكترونيك، في مقابل ضرورة تحقيق الأمن الطاقي والغذائي واستيراد الكميات الكافية من المحروقات وغاز البوطان والقمح والذي يتم بالعملة الصعبة، وتبعاً لذلك فإن رصيد العملة الصعبة سيتراجع و لا ينبغي أن نصل إلى الخط الأحمر
⁃ المغرب تمكن من الحصول على خطوط مالية ائتمانية من خلال علاقاته الجيدة مع المؤسسات المالية وقد نجح في الحفاظ على درجة الاستثمار investment grade وهو الوحيد في افريقيا الذي له هذه الدرجة بفضل استقرار اقتصاده الكلي، ومتانة منظومته المالية وتحكمه في مستوى المديونية (يمثل الدين الخارجي 20,5 في المائة والدين الداخلي 79,5 في المائة، 92% من حجم الدين بسعر فائدة ثابت، يهيمن الدين المُصدر بالدرهم على محفظة دين الخزينة بأكثر من 79%)
– فيما يتعلق بتدبير النفقات فقد تم الاتفاق في الحكومة مع كل قطاع على حدة على تحديد الأولويات ..ومن الصعب الرهان منذ الآن على مبلغ معين لأنه لا أحد يمكن أن يتوقع كم ستستمر هذه الأوضاع الاستثنائية .
ومن باب المسؤولية ينبغي للمغرب أن يكون مستعدا لأسوء الاحتمالات، ومنها احتمال استمرار الجائحة لا قدر الله لوقت أطول من المتوقع، وبطبيعة الحال إذا ما استمر الفيروس في الانتشار، ستتفاقم الأزمة الاقتصادية عالميا، وستحتاج بلادنا ضرورةً لسيولة مالية من المؤسسات الدولية، غير أن الظروف آنذاك لن تكون في صالحنا نظرا لتزايد الطلب العالمي على القروض، وسيصبح الأمر أكثر صعوبة، في هذه الحالة لن يكون هناك من خيار سوى اللجوء للبنك الدولي الذي سيفرض شروطه بما فيها إعادة الهيكلة ومن تم ينبغي استبعاد هذه الفرضية نهائيا.
إن الغرض من فتح خط السيولة هذا هو أن يبقى المغرب في مأمن وأن يحافظ على سيادته وليس لأننا نحب أن نلجأ إلى القروض الخارجية ونحن على اتصال و تفاوض مع جميع المؤسسات المالية التي لنا بها علاقة ..
-المغرب تعامل باستباقية وبالحكمة المطلوبة مع موضوع التمويل؛ ومن باب الانصاف، ينبغي أن تهنئ الحكومة على أمرين :
-الأمر الأول : أن عندنا خط ائتمان مع صندوق النقد الدولي بدون شروط، نأخد منه الأموال في أي وقت نريد وتوجه مباشرة لتمويل ميزان الاداءات الذي لا علاقة له بالمديونية مما يجعل البلاد في مأمن، وهناك فقط دولتان تتمتعان بهذا الامتياز عالميا
– الأمر الثاني : الحكومة استحدثت صندوق الكوارث الطبيعية ومعه خط ائتمان ب 275 مليون دولار مع البنك الدولي وهو ليس اقتراضا يمكن أن تستفيد منه في أي وقت وفي غضون 48 ساعة …
هذه السنة، سنة صعب جدا، حيث تضررت العديد من القطاعات الحيوية ومنها من توقف فعليا نتيجة قرار إغلاق الحدود وفرض حالة الطوارئ الصحية، ومنها قطاعات السياحة والأنشطة المرتبطة، وقطاع التصدير، وقطاع النقل الجوي، والنسيج وصناعة السيارات، كما يشهد اقتصادنا اضطرابات على مستوى قنوات الإنتاج وسلاسل التوريد، وتأثرت تحويلات مغاربة العالم، مما أثر سلبيا وبشكل كبير على تدفقات العملة الصعبة.
هي السنة الثانية على التوالي من الجفاف، ولسنا في حاجة فقط للحبوب بل نحن في حاجة للشعير للماشية وهو يستورد بالعملة الصعبة،
المغرب أيضا بحاجة لتأمين الاستهلاك اليومي المعتاد من غاز البوطان ولا يمكن أن نقول للمواطنين إن الدولة ليس لها إمكانيات مالية لاستيراد الغاز،
المغرب بحاجة لتعزيز المنظومة الصحية واقتناء الآليات والوسائل الصحية والأدوية والمواد الصيدلانية والمواد الاستهلاكية الطبية والغازات الطبية والمستلزمات الطبية الضرورية.
المغرب اتخذ قراره السيادي في مواجهته مع جائحة كورونا بوضع صحة وكرامة المواطن في رأس الأولويات، واعتمد التدرج في جميع القرارات الاجتماعية والصحية والأمنية حتى الاقتصادية، والسيناريو الأسوأ هو أن يبقى الحجر الصحي لمدة طويلة وأن لا تسترجع الأسواق الخارجية عافيتها في أقرب وقت، ولهذه الاعتبارات وبكل الحرص المطلوب للحفاظ على صحة المواطنين، وللحيلولة دون حدوث أي اضطرابات في السوق المغربية وفي المبادلات التجارية، استبق المغرب واتخذ قراره السيادي –بالحكمة والسرعة اللازمتين- لتأمين الاحتياط الوطني من العملة الصعبة وحماية اقتصاده وأمنه المالي.
نحتاج في هذه اللحظات الصعبة إلى تحقيق الاجماع الوطني وتقديم مصلحة الوطن وصحة المواطن، فهذا الذي سيخلد في التاريخ، أن الاجراءات الاستباقية التي اتخذها المغرب، ووعي المغاربة وتكامل أدوار الدولة والمجتمع وقيم التعاون والتآزر، ساهمت في محاصرة وباء فيروس كورونا، وسيخلد كذلك أنه في هذه اللحظات الصعبة هناك من فضل البوز الاعلامي الزائف على حساب هذا الاجماع المغربي.
عذراً التعليقات مغلقة