المعركة
هشام لفقيه*
سياسة إعداد التراب الوطني على ضوء دستور 2011
تسعى الدولة في ميدان التهيئة الترابية إلى تحسين جودة ظروف عيش الساكنة، و تطوير الخدمات العمومية ، و تسهيل الولوجية للمرافق و التجهيزات الأساسية كالتعليم و الصحة، و توفير الماء الصالح للشرب و الكهرباء في جميع مناطق المغرب، سواء تعلق الأمر بالمجالات الجبلية أو الساحلية أو الصحراوية، و كذا ضمان المساواة في المعاملة بين المواطنين، من حيث الحقوق و الواجبات. و تشكل كل هذه الانشغالات مصدر اهتمام جل الدراسات و الأبحاث الميدانية التي تبرز المجالات الأقل تجهيزا و اندماجاً.
وقد شكل دستور 2011، منعطفا هاما في مسار تبني مجموعة من القواعد والمبادئ المتعلقة بإعداد التراب الوطني والتنمية المجالية، ومن هذا المنطلق تهدف هذة المساهمة الى ابراز هاته المبادئ انطلاقا من الوثيقة الدستورية، وتبيان مدى توافقها مع توجهات ومقاربات الميثاق والتصميم الوطنيين لإعداد التراب،وذلك من خلال النقط التالية:
أولا: مبدأ الوحدة
يعد الحجر الاساس لاعتماد جل ومختلف السياسات التهيئة المجالية واعداد التراب. فالوحدة الوطنية المنصوص عليها في الدستور ترسخ أولا التأكيد على الهوية الوطنية، وثانيا الاعتراف بالتنوع الذي يتميز به المغرب وبالتالي فهذا التنوع يتعدى الجانب الثقافي ليشمل الجانب الترابي والمجالي.
ثانيا: المقاربة التشاركية
تعتبر من الركائز الاساسية التي أقرها الدستور (الفصل الاول) لتدبير الشأن العام الوطني والمحلي بما يضمن النجاعة وفعالية التدخلات العمومية والتقائيتها، على اعتبار ان الدستور بكل مكوناته قائم على مبادئ الحكامة الجيدة والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ تخليق التدبير العمومي.
ثالثا:اللامركزية كـأساس لحكامة ترابية ناجعة
والتي ترتكز على مبدأ التفريع في توزيع الصلاحيات والاختصاصات، بين مختلف المستويات الترابية، والبحث عن المستوى الملائم لممارسة الاختصاصات، بحيث لا يتدخل المستوى الاعلى(الدولة) الا في الحالات التي تعجز فيها المستويات الدنيا(الوحدات الترابية) عن ممارسة تلك الاختصاصات.
الى جانب ذلك،كرست الوثيقة الدستورية مبدأي التضامن والتعاون بين الجهات، وفيما بين الجماعات الترابية الاخرى عبر الية التعاقد، لتنفيذ المشاريع المحلية.
رابعا: حماية الموارد الطبيعية،
حيث نص دستور 2011 على ضرورة الحفاظ وحماية الموارد الطبيعية واعتماد مقاربة التنمية المستدامة باعتبارها اساس البرامج والتدخلات العمومية، هذا التوجه كرسته كذلك العديد من النصوص القانونية والتنظيمية والتي تروم تثمين الموارد الطبيعية وحماية البيئة.
خامسا :العدالة الاجتماعية
تعتبر من أهم المبادئ التي ترتكز عليها سياسة اعداد التراب، وذلك من خلال تنصيص الدستور على ضمان المساواة بين المواطنين في الاستفادة من المرافق والخدمات العمومية الاساسية والسكن اللائق والشغل،وعلى هذا الاساس فدور الدولة يبقى اساسيا في الحد من التفاوتات المجالية والحرص على ضمان المساواة بين المواطنين للاستفادة من الخدمات الاساسية سواءا على المستوى الترابي او النوعي.
سادسا: تكريس حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر
يشير الفصل 35 من الدستور الى دور الدولة الاساسي في التنمية الاقتصادية و وتوزيع السكان والانشطة على جميع التراب الوطني،وهو ما يعتبر مسألة بالغة الاهمية بالنسبة للتنمية المجالية واعداد التراب ،حيث ينتقل دور الدولة من دورشمولي الى دور مرتكز على التحفيز والتقييم والتوجيه.
على سبيل الختم..
خلاصة القول،ان المبادئ التي أقرها دستور 2011، تتوافق الى حد كبير مع توجهات ومقاربات التصميم والميثاق الوطنيين لإعداد التراب،حيث أن الوحدة الترابية المرتكزة على التنوع،ومبادئ الحكامة ونهج المقاربة التشاركية، واللامركزية والتفريع في ممارسة الاختصاصات، وتثمين الموارد الطبيعية،والمساواة في استفادة المواطنين من الخدمات العمومية، وحرية المبادرة، تبرز بصورة ضمنية او بشكل صريح في الميثاق والتصميم الوطنيين لإعداد التراب،مما يعني ان رؤية اعداد التراب للخصائص والمؤهلات المجالية على المدى الطويل تعد رائدة في العديد من التوجهات والمقاربات الاستشرافية للمجال، وبالتالي يمكن مواصلة العمل ببعض محاور الميثاق الوطني لاعداد التراب بالكامل دون ان يفقد من اهميته او ان يتناقض مع مقتضيات الوثيقة الدستورية.
*هشام لفقيه
باحث في القانون العام والعلوم السياسية
جامعة محمد الخامس الرباط
عذراً التعليقات مغلقة