المعركة
حوار جريدة المعركة لهذا الأسبوع يستضيف الأستاذ صبري الحو، المحامي بمدينة مكناس،
والخبير في القانون الدولي من الجامعة الأوروبية بمدريد باسبانيا، حول آخر مستجدات القضية الوطنية الصحراء المغربية.
صبري الحو حاصل على ماستر في الهجرة الدولية وحركية الأفراد عبر الوطنية بجامعة سرقسطة. وعلى دبلوم تخصص في القانون الأوروبي للهجرة من المجلس الأعلى للمحاماة باسبانيا، وهو كاتب و باحث في الهجرة و نزاع الصحراء بمقاربة علمية قانونية، ومرجعية أممية، ويشغل كذلك رئيس المركز المغربي للحريات والحقوق لولايتين.
الحوار كاملا:
1- كخبير دولي متخصص في شؤون الصحراء وفي القانون الدولي ماهي التبعات السياسية والقانونية للإعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية؟
لا شك أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يحرر الديبلوماسية المغربية من ثقل الحسابات الضيقة والمعقدة، ويجعل المغرب ومركزه محل اعادة الاهتمام الدولي واعادة تقديره .
وحمل التوجه الدولي لينتقل من الحكم المسبق أنه مجرد نزاع مغلق، إلى جلب الاهتمام الدولي لاعادة قراءة النزاع قراءة موضوعية من أجل فهم جديد يستوعب شرعية حقوق المغرب التاريخية و رجحانها القانوني، و أهمية المبادرة المغربية بالحكم الذاتي في اطار أنها الحل السياسي الواقعي الذي يصلح لانهاء النزاع الذي عمر طويلا،
فالاعتراف الأمريكي هو نقلة نوعية لترسيخ القناعة الدولية، وتوعية المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ قرارات جريئة وصعبة لحسمه على ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية، والتخلي عن سياسة الصمت الدولي و المجاملات .ولا شك أن هذا القرار، الذي اعتبره منسجما مع عمل الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره 307 السنة 10تبريل 2017 الفقرة 84 من باب الملاحظات والتوصيات.
و الاعلان الأمريكي يكسر حالة الجمود التي طبعت موقف الأطراف الأخرى التي ترفض التحلي بالواقعية ومناقشة حل المغرب العملي والمشهود له من ذي قبل من طرف مجموعة من الدول الكبرى ، ومن طرف الأمم المتحدة منذ 2007 تاريخ تقديمه للأمين العام للأمم المتحدة بالواقعي، واسترسل مجلس الأمن في منحه تلك الشهادة.
وبالمقابل بقي خصوم المغرب متحجرين عند اجراء الاستفتاء الذي ولت عنه الأمم المتحدة بسبب استحالة الوصول الى توافق بخصوص الكتلة الناخبة.
الشيء الذي جعل الأمور تراوح مكانها. واحتاج الأمر الى مبادرة جريئة على غرار ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية، بوضوح تام، ودون تردد، بحيث اعترفت للمغرب بمغربية الصحراء، وجعلت من الحكم الذاتي هو الحل الأوحد، ورفض غيره من الحلول، و أكثر من ذلك أنها أعلنت التزامها العمل على بلوغه والوصول اليه.
إذن هناك قناعة راسخة لدى أمريكا كدولة كبرى، صانعة التاريخ المعاصر، والفاعلة في الجغرافية السياسية بقوتها وعظمتها، دولة عضو دائم داخل مجلس، تحمل قلم تحرير قرارات مجلس الأمن، ومن الدول أصدقاء الصحراء. وملتزمة بفتح قنصلية في الصحراء المغربية، و تحفيز الاستثمار و تشجيع الأعمال في الصحراء المغربية ، كل هذه الصفات لا شك ستنعكس ايجابا تعزيزا للموقف المغربي.
فالموقف الأمريكي هو بمثابة تنفيذ عملي وتنزيل واقعي لخلاصات وملاحظات وتوصيات الأمين العام للأمم المتحدة، ولبنود قرارات مجلس الأمن الملزمة. و مستقبلا لا أفترض، ولا أتصور نقاشا داخل مجلس مداولات آليات الأمم المتحدة، وخاصة في مجلس الأمن خارج هذه القناعة، التي هي المرور الى تنفيذ اجراءات الاشهاد الأممي على الحل، ودعوة كل الأطراف لتبنيه والقبول به، والمرور الى طرق ومراحل جعله قيد العمل والتنفيذ.
2- بهذا الإعتراف الأمريكي هل يمكن القول بحسم المغرب لإشكالية الصحراء التي عمرت أزيد من أربعين سنة؟
اعتقد، بل أومن أن الحل قد تم الاعلان والكشف عنه ، و لا أتصور تراجع ونكوص المغرب عن مبادرته، مثلما لا اتصور امكانية تقديم المغرب لأي تنازل يتجاوز هذا العرض، وهذا السقف.
وعمليا اجراءات تنفيذه الحكم الذاتي انطلقت وبدأت من الجانب المغربي عبر اقرار الجهوية المتقدمة، كمرحلة يطبعها الاستعداد والتمرين الاداري والتقني لتأهيل الساكنة وتأهيل النخب، وتنمية المجال الترابي لينعكس على العنصر البشري المقيم داخل الاقليم.
وفي نفس الوقت ليكون حضنا جذابًا ومغريا لمن هم خارجه، وبالضبط للمغاربة الذين اختاروا اللجوء في تندوف بغض النظر عن اسباب ودوافع كل واحد، وكل طرف منهم؛ سواء كان محتجا غاضبا ، أو ناقما و منتقما، أو جاهلا و مغررا به، أو ضحية مكرها.
أما على المستوى الخارجي، فان فتح مجموعة من الدول لقنصلياتها في كل من الداخلة والعيون، يتعدى مجرد التعبير عن الموقف السياسي المؤيد و المساند للمغرب إلى المساهمة الفعلية والعملية في وضع لبنات تطبيق وتنفيذ مشروع ومبادرة المغرب بالحكم الذاتي.
فهذه الخطوات تساعد في اعطاء المنطقة طابعا المتميز تستحق الحكم الذاتي، وجعلها منطقة مندمجة في محيط ديبلوماسي دولي، لكن في اطار سيادة وطنية مغربية كبيرة. وهو احدى الشرطين المغربية في منظور حله، والمعلن في خطاب ملكي؛ الانطلاق في التفاوض من الحكم الذاتي وبقاء الصحراء تحت سيادته.
ولمزيد من التوضيح أقول أن فتح القنصليات يندرج في اطار مسار دولي لتوطيد وترسيخ الحل المغربي بالحكم الذاتي ، فهو بذلك مشاركة ومساهمة دولية من أجل تمام و تطبيع دولي بالحل المغربي في اطار الحكم الذاتي. فالحل النظري استعصى النطق به.
وكانت مبادرات الدول بفتح القنصليات صعبة، لأنها تنقل الاستنتاج الأممي الى التطبيق العملي، وانتقل الملف من اطار التدبير والتحقيق الى مرحلة الحسم العملي، والمغرب كسب الرهان الأول، وتبقى تفاصيل الحسم النهائي على نفس قدر اهمية وصعوبة الأولى. لأن المهمة تنتقل من الاطار العام الى التفاصيل والجزئيات، وعادة ما يكون النقاش والمفاوضات حولها صعبة للغاية.
3- كيف يمكن استثمار مثل هذه الانتصارات الدبلوماسية للمغرب للتموقع في العلاقات الدولية كقوة إقليمية لها تأثير في صناعة القرارات الدولية؟
لا أشك أن تقدم المغرب الذي بزغ بشكل جلي في سنة 2020، رغم أنها سنة جائحة كرونا يفرض على المغرب بصفة عامة، وعلى الديبلوماسية المغربية بصفة خاصة تحديا كبيرا وثقلا مضاعفا، بالنظر الى كون القاعدة تقول أن الاستمرار في النجاح أصعب من ادراكه ومن الوصول اليه.
ومع ذلك، ومهما يكن من أمر فان الحسم يبقى في متناول المغرب .
ويظهر أن خطة المغرب الجديدة في افريقيا، واعتماده سياسة تنويع العلاقات، والوفاء للحلف في اطار جني وتبادل المنافع الاقتصادية وجعلها ذات عائد سياسي سريع، و التحلي عن سياسة الوفاء التقليدي للحلف مهما كلفه من ثمن، بل اعادة النظر فيه ونقله الى اطار التحالفات الاستراتيجية واعتماد خطط العمل لتفعيله.
والانفتاح على الخصوم المجانيين من أجل جعلهم على الحياد كحد أدنى، وابداء الصرامة والحزم مع الخصوم، ورسم الخطوط الحمراء في السياسة الخارجية، مع التزام التعاون والمساهمة في عمليات الأمم المتحدة الانسانية والأمنية، والانفتاح على المنظمات الدولية الحقوقية لرسم صورة عن مغرب قوي وملتزم، آمن، متعاون ضروري وحتمي المرور عبره ولا يمكن الاستغناء عنه.
وكذا التعاون والتحالف والشراكة الدول والتجمعات الدولية الاقليمية والجهوية والقارية لرفع كل التحديات العالمية في التنمية و في تحفيز الاستثمار، والأمن ، و الارهاب والجريمة المنظمة والهجرة وغيرها .
من شأن كل ذلك في اطار نباهة البحث عن مظاهر تكامل وتطابق المصالح مع بقية دول العالم، واستشراف مآلات السياسة الدولية والتأقلم معها بسرعة، تقوية مكانة المغرب، وجعله يلعب دورا محوريا في صناعة القرار الدولي.
فقد فهم المغرب كيف يتم اتخاذ القرار الدولي، وعليه صنع طريقة للتأثير فيه والمساهمة فيه.
عذراً التعليقات مغلقة