أبو الشمائم
أي وضاعة وانحطاط هاته التي يعيش في كنفها المشهد السياسي والعمل الحزبي بالمغرب على وجه التحديد، لدرجة فقد فيها ملك البلاد الثقة في محترفي السياسة، وصارت الهوة بين الأحزاب والمجتمع أبعد من أي وقت مضى؟
سؤال اعتقد الجميع أنه سيتوارى إلى الخلف، بعد تقريع الملك للسياسيين والأحزاب التي أوغلت في التعامل مع تدبير الشأن العام، بمنطق الغنيمة أو بتعبير المغاربة “الوزيعة”؛ غير أن لا شيئ من ذلك قد حصل، فكل حزب بما لديهم فرحون.
لا يختلف المحللون السياسيون والعارفون بتطور المسار السياسي بالمغرب، على أن حزب العدالة والتنمية قد باع الوهم للمغاربة، حين سوق نفسه كقاهر للفساد والقادر على تطوير المسار الديموقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولن يختلف أحد أيضا على أن “البيجيدي” وعكس شعاراته الانتخابية أوغل في ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، وفي عهد رئاسته للحكومة السابقة والحالية طبّع مع الفساد والمفسدين وتوسعت الفوارق الاجتماعية، ليزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا.
لكن ما يختلف وسيختلف حوله كثيرون هو من سيكون البديل لحزب العدالة والتنمية؟ والجواب عن هذا السؤال سيظل مستعصيا في غياب قوة سياسية حقيقية في الميدان، تؤسس لقطائع ابستيمولوجية مع الممارسات الحزبية البالية، وتقدم مشروعا مجتمعيا يكون له من الوضوح والبراغماتية ما يلهم به النخب لتنخرط فيه، ويجعل أغلبية المواطنين يلتفون حوله.
ولأن الطبيعة تخشى الفراغ، قفز حزب التجمع الوطني للأحرار إلى واجهة المشهد الحزبي المغربي، بشطحات سياسية لا علاقة لها بمقومات القوة السياسية التي يريدها الملك والشعب، قائلا أنا البديل المنتظر، وأنا مفتاح المشاكل والإشكاليات التي تعيق الوصول بالمغرب إلى مكانته المستحقة التي تجعله قادرا على احتضان جميع أبنائه وتوفير العيش الكريم للفئات الاجتماعية الفقيرة والهشة.
ومن سذاجة حزب الحمامة اعتقاد قيادته بأن “كتيبا” أطلقت عليه إسم “مسار الثقة” سيكون بإمكانه أن يغير جلد هذا الحزب ويجمل صورته أمام ما تبقى من النخبة الوطنية، وينقله من طابعه الإداري إلى البعد الجماهيري. وها قد مرت مدة زمنية ليست بالقصيرة على إصدار ذلك “الكُتَيّب” فهل حدث التغيير المنشود في عمل وتعاطي الحزب مع قضايا الوطن ومشاكل المغاربة، وهل نجح في بناء تنظيمات محلية وجهوية ووطنية قادرة على تأطير المواطنين؟.
الأكيد أن “مسار الثقة” فقاعة صابون وانتهت، لأنه لم يأت بجديد ولعل التجمعيين لو قرأوا أدبيات الأحزاب الأخرى لفطنوا إلى أن مربط الفرس في أزمة المشهدين السياسي والحزبي ليس التنظير أو صياغة الأدبيات، بقدر ما هو مرتبط بشكل كبير بالممارسة والتعاطي بصدق مع تحديات المرحلة، وبفتح المجال أمام الطاقات والتخلي عن منطق الوصولية والانتهازية التي أضرت بالسياسة وأفقدت ثقة الملك والشعب في ممتهنيها.
وإذا كان لكل حزب جاد ومسؤول “ماركته” السياسية المسجلة التي تميزه عن غيره، وترفع أسهمه في أوساط الناخبين، بما يمكنه من تصدر الانتخابات وتدبير الشأن العام، فإن حزب التجمع الوطني للأحرار لم يجد غير شخصية رئيسه عزيز أخنوش، ليقول للمغاربة ها قد جئناكم بالرجل الذي نجح في أن يصبح مليارديرا ناجحا، ليكون رئيس حكومة 2021، وسيفتح الله على يديه ويجري المال مجرى الماء.
وسؤالنا لتجمع الأحرار، متى كانت اليد الواحدة تصفق، وماذا عن طاقم الأطر والكفاءات التي سيحتاجها الرجل لتكون له عونا وسندا في مهمة رئاسة الحكومة المقبلة التي لا يرون ولا يرى هو نفسه أحدا أجدر بها منه؟ هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن ليس في الإمكان أحسن مما كان.
فالأحزاب الجادة والمسؤولة هي التي تتوفر على خزان من الأطر والكفاءات المحنكة والمجربة في التدبير والتسيير، ولا تحتاج إلى صباغة “التقنوقراط” بلونها الحزبي إلا نادرا أو عند الضرورة. وهذا ما يفتقر إليه التجمع الوطني للأحرار، الذي يؤمن بمنطق “ابن البط عوام”، ولذلك يأتي بأبناء أعيانه ليتقلدوا مناصب وزارية وإن خانتهم التجربة وافتقدوا الحنكة والدراية اللازمتين للنجاح في هكذا مسؤوليات، لا لشيئ سوى لترضية خواطر أولائك الأعيان ولو على حساب الوطن.
وحتى لا يستمر التجمعيون في استصغار ذكاء المغاربة، اللهم إن كانوا هم أنفسهم سذجا، فعليهم أن لا ينسوا أو يتناسون بأن عزيز أخنوش ليس بالشخص الذي سيتعرف عليه المغاربة لأول مرة، أو أنهم عرفوه بعد فترة قصيرة من دخوله معترك الحياة السياسية، فقد تقلد الرجل مسؤولية الفلاحة والصيد البحري منذ حكومة عباس الفاسي وإلى اليوم، وهي أطول مدة قضاها وزير من تلك الفترة وإلى اليوم.
وختاما فغلاء أسعار الخضر واللحوم في بلد فلاحي كالمغرب والتهاب أثمنة الأسماك في بلد تمتد شواطئه على مسافة 3300 كلم، واستمرار بؤس الفلاحين الصغار خير جواب على القدرة الخارقة لرئيس الحكومة “المنتظر”.
عذراً التعليقات مغلقة