إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية
ماذا ربح المغرب؟
بقلم الأستاذ: ابراهيم أنبارك باحث في قضايا التنمية
كغيرها من قرارات جلالته السديدة التي ما فتئت تشكل استثناء في المغرب المعاصر، لأنها تمتلك الجرأة في إثارة قضايا ظلت جامدة بين رفوف تاريخ تنميتنا. وظلت مهملة طوعا أو قصدا أو عنوة من لدن مدبري الشأن العام لمدة طويلة.
جاءنا البلاغ التاريخي من الديوان الملكي، يقر فيه صاحب الجلالة نصره الله بسن رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، و نحن نقول: إنه عيد وطني استثنائي لأنه يعبر عن جانب من وطنيتنا ودولتنا وأمننا وتاريخنا واعترافنا بذواتنا، لذا، فالقرار التاريخي، بغض النظر عن الأسئلة التي قد يطرحها البعض مثل: لماذا الآن وليس من قبل أو من بعد؟ وما الذي يمكن المراهنة عليه من خلال النظام السياسي المغربي من إقرار رأس السنة الأمازيغية؟ فالأمر المؤكد منه أن القرار يعتبر في نظرنا قرار حكيما لأسباب عدة، والمغرب ربح من خلاله:
-الاعتراف بالعمق التاريخي الطويل: تاريخ هذه الأرض وهذا الوطن ليس وليد عقود أو قرون محدودة، مثلما يراه الأصدقاء أو الأعداء على حد سواء، بل القرار دليل على عمق جذور تاريخنا كأمة مغربية تفوق كل الأمم المجاورة في تاريخيتها،
– الانسجام والتكامل الهوياتي: المغرب ليس دولة ذات البعد الواحد أو الهوية التي تبحث عن طمس مكوناتها المتعددة، وبهذا يعلن المغرب انفلاته من لائحة “الدولة المشرقية” التي كانت ترغب في تنميط البشر والدواب والعباد في عادات وتقاليد واحدة، لغة واحدة، عرق واحد، نمط ثقافي واحد،…بل المغرب غني بتعدده اللغوي والديني والعرقي ويليق أن يكون تضامننا وتكتلنا في عز تعددنا أفضل درس للقريب والبعيد.
– المؤسسة الملكية في صلب الاهتمامات الوطنية: ربحنا أن المؤسسة الملكية فعلا نبض لروح الشعب وفكره ونضالاته، فدسترة الأمازيغية وإقرار تدريسها، عناوين حناجر صدعت بها أعناق المناضلين والمناضلات في نقاشات وحوارات وصيحات تقول في مجملها: عيب أن يطمس المسؤول والمدبر، في لحظة ما، تاريخه الطويل ليبحث عن تاريخ خارج أرضه وانتمائه، ليكون القرار إذن تثبيت لروح هذا الوطن وافتخاره بانتماء المؤسسة الملكية لهذه الأرض الطيبة.
– تصحيح مواقع الانتماءات: تصفح لائحة المناسبات التي نحتفل بها أو نتخذها عطلة، يدرك وجود مناسبات أقرب إلى عمقنا التاريخي وأخرى مجرد لحظات عابرة، لكن إدراج رأس السنة الأمازيغية وعطلة ومناسبة لا تقل عن المناسبات الوطنية، هو دليل على أن المغرب يتجه صوب إعادة ترتيب أولويته وإظهار فعلا حجمه القوي وإرثه التاريخي والحضاري بين المؤيدين والمعارضين لعمقنا، بين الراغبين في طمس هوية أمتنا التي من الممكن أن نسميها اليوم ” تمغربيت” الجامعة لأجناس وديانات وأعراق وألوان ولغات، ولا مكان لمزايدة أو تفضيل تحت أي مبرر، مهما كان.
– التأسيس لدولة المستقبل: قرار الاعتراف برأس السنة الأمازيغية يدل على الرغبة في إحداث قطيعة مع دولة التبعية وإغلاق الباب أمام قرارات ظلت جاثمة على المسار التاريخي والتدبيري لبلدنا، والتوجه نحو الانفتاح تدريجيا على دولة التفاعل اليومي والمستمر مع التغيرات الكبرى، وجعل الدولة أكثر مرونة وتكيف مع التحولات التي قد يبدو أن المستقبل القريب سيعج بها. ومن لا يستطيع المواكبة و أخذ المستجدات العالمية ومحاولة ادماجها في عز التواصل مع النزاعات الهوياتية وسطوة الهيمنة العالمية والاختراق الثقافي للمجتمعات، لذا، فاعتراف الدولة المغربية بخصوصياتها واستثنائها وحماية ارثها الحضاري، تكون قد حصنت نفسها وأصبحت أكثر استعداد لخوض غمار المنافسة.
كما أن الأجيال الصاعدة، باعتبارها مشعل تدبير الغد، لا يصح أن تتولى تسيير المغرب بأرضية ثقافية وتاريخية تستمدها من مواقع التواصل الاجتماعي ومن احتقار أصالتها وهويتها وذاتها الثقافية والحضارية، وإنما لابد من جعل شباب اليوم يفتخر بلغاته ودياناته وانتماءاته المتعددة.
القرار تحصين لشبابنا أمام هذ الشرخ الهوياتي الذي يعيشه العالم، هذا الشرخ الذي يجعل المواطن محتقرا لثقافته ولوطنه جاهلا بالتاريخ، ناقما على الجغرافيا، ويطمح في مغادرته نحو عالم أرحب حضاريا ومهنيا، لأنهم أخفوا عنه في المدارس عمقنا وتاريخنا وجذور تعددنا.
القرار اتخذ، شكرا لجلالة الملك وشكرا لكل من ناضل وأدى الثمن غاليا من أجل هذا العيد، والرهان اليوم على مدرسة مغربية قادرة على التفعيل الحقيقي لتدريس الأمازيغية، وعلى منظومة عدالة تفسح المجال لحضور الأمازيغية بشكل فعلي في المحاكم، حتى لا تضيع حقوق من لا يثقن لغة الجلسات.
الرهان اليوم على إعلام منفتح على وضع الحدث في مستواه التاريخي الفعلي دون مزايدات أو هلوسات إعلامية عابرة
كل رأس سنة أمازيغية وأنتم بألف خير
عذراً التعليقات مغلقة