“الحسن ذاخ “ومعصرة الزيتون التقليدية
الكفوني عبد الرحمن
السماء ملبدة بغيوم تنذر بقدوم المطر ..وعمال جني الزيتون قد انتشروا كالجراد يقطفون حباته.. من فوق تلك الربوة. وفي مكان آخر صرير صفاءح كوفير الجرار يشق الأرض على بكرتها ..قبل أن يتوقف ليترك الفلاحين ينثرون الحبوب والأسمدة الفوسفاطية ..
كل شيء قد تغير في تلك البلدة فالمحاريث التقليدية اندثرت تماما وأبنية الطوب لم يبق لها أثر فتم استبدالها بمنازل الأسمنت.. ومعاصر الزيتون العصرية قد انتشرت على طول الطريق الرئيسية التي شقها الاستعمار الفرنسي مع بداية القرن الماضي .. ولم يبقى مما يستذكرك الماضي سوى “رحى الزيتون التقليدية” التي كان قد بناها “الفقير عبدالله” خلال أواسط القرن الماضي ..وظلت على حالها إلا من بعض الترميمات التي كان يضيفها ولده الحسن الملقب ب”ذاخ”.. والذي عرف باكرامه الضيف أسوة بوالده الفقير عبد الله الذي كان يستوقف المارة من أجل تناول الغذاء دون أن يعرف إن كان في بيت الطبخ طحين او لا ؟ الرحى عبارة عن بناية تقليدية مبنية بالحجر والكلس باسقف من سهوم الصبار وصفائح القصدير ..وعلى طول ذلك البيت تمدد جذع شجرة الايج والمعروف “بازقور”.. يتوسطه عمود لولبي يخترق وسطه عمود يديره الى الاعلى الحسن ذاخ كلما أراد رفع “الزقور” قبل أن ينزله إلى الأسفل لينطرح الزقور بثقله على دواءر “الشوامي” فترى الزيت البلدية تنزرب من جوانبها كالذهب المذاب في اتجاه “حفرة النقير” وحين ينقطع الذوبان يرفع الحسن ذاخ الزقور ويفرغ بقايا الشوامي في صحن “الميدا” والتي تدور فوقها صخرة الطحن يجرها في شكل دائري حصان ..ومن حين لآخر يحرك الحسن الزيتون المطحون بالرفش ..وبعد أن يتم دورة او دورتين يملأ الشوامي من جديد
..في ركن مظلم من تلك الرحى ومن عهد الفقير عبد الله اعتاد الزوار أن يجدوا مائدة من خبز الحرش والشاي والزيت البلدية الجديدة ..قد تأخذك الذاكرة إلى الماضي وانت تجلس في ذلك الركن ..فتسري في جسمك قشعريرة الحنين تذوق طعم “الخبيزة التي تركها السلف للخلف”
الكفوني عبدالرحمن
عذراً التعليقات مغلقة