تمويل الأحزاب السياسية، الحملة الانتخابية، التنمية، الشفافية، الرشوة… أية علاقة؟
بقلم: محمد أهيري
باحث في التدبير العمومي
تعتبر الانتخابات في كل البلدان تمرين ديموقراطي يعبر عن مدى وعي وثقافة الشعب في علاقته بالمنتخبين، وكذا علاقة المنتخب بالمواطن، ثم إبراز مدى تقدم تلك الدول في ممارسة السياسة وما جاورها من خلال الأحزاب السياسية التي تنبثق عنها الحكومة المدبرة للشأن العام. والمغرب كباقي الدول يُجري انتخابات منذ الاستقلال رغم اختلاف ظروف كل مرحلة، ولكن منذ سنة 2011 عرف المغرب تطورا ملحوظا في السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها… وخلال هذه الفترة برزت مجموعة من القوانين والآليات التدبيرية والمؤسساتية التي تُنبأ بالتطور الديموقراطي والسياسي بالمغرب.
ترتبط الديموقراطية وممارسة السياسة بالأحزاب السياسية على اعتبار انها الممثلة الشرعية للمواطن في المؤسسة التشريعية، فالأحزاب السياسية هي صلة وصل بين المواطن والحكومة او الدولة حيث تعمل على التعبير عن حاجات ومطالب المواطن الذي فوضها تدبير شؤونه. غير ان الأحزاب السياسية مرتبطة بحدود قانونية لممارسة وظائفها التمثيلية والسياسية (الفصل 7 من الدستور: ” تؤسس الأحزاب وتُمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون”)، وقد نتج عن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 إصدار قانون تنظيمي جديد خاص بالأحزاب السياسية ينظم طريقة تفكيرها وتدبيرها، وكذا علاقتها بالمواطن والدولة.
تشكل الوثيقة الدستورية ابرز الآليات التي نظمت ممارسة الأحزاب السياسية لمهامها، بحيث أشار الفصل 7 من الدستور إلى اهم وظيفة أُنيطت بالاحزاب السياسية وهي كما جاءت في الفقرة الأولى (تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية).
لكن المثير ان متتبعي الشأن العام الوطني والمحلي وحتى المواطن العادي، يلاحظ ان الأحزاب لا تقوم بدورها كما يجب في اطار الحكامة الجيدة التي تقوم على تفعيل مجموعة من الآليات التدبيرية والمؤسساتية، فالآليات التدبيرية ومنها وظيفة التأطير وإدماج المواطن في الحياة السياسية غائبة عن مفكرة الاحزاب السياسية الا في بعض المناسبات الوطنية او من خلال ارتباطها بإحدى الجمعيات التي تقوم بأنشطة خيرية على قلتها لفائدة المواطن الغلبان، آنذاك نلاحظ الأحزاب السياسية من خلال فروعها تنشط وتصارع على تحسين صورتها امام المواطن، وبالنسبة للآليات المؤسساتية فان اغلب الأحزاب السياسية لا تتوفر على تمثيلية في كل المناطق، بل وحتى الأحزاب (الكبيرة) لا تتواجد بكثافة الا في بعض المناطق التي تعتبر معقلها الانتخابي، وأحيانا فان هذه الفروع لا تقوم بمهامها فقط ينحصر نشاطها على المنخرطين ولا يتعدى الى تثقيف المواطن وتوعيته.
تساهم الدول بشكل كبير في ميزانية الأحزاب السياسية من اجل العمل الى جانبها على تاطير المواطن، وتدبير الشأن العام الوطني والمحلي (الفصل 7 من الدستور”… وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة …”). لا يجادل احد في اهمية الاحزاب السياسية في اي نظام ديمقراطي، اذ انها لا تعتبر فقط وسيلة للمساهمة في ممارسة السلطة، بل هي ايضا عنصر ضروري للديمقراطية ولإرساء السلم الاجتماعي والمساهمة في تحقيق التنمية، لكن وفي اطار القانون بما جاء من مبادئ كالشفافية والمحاسبة والحكامة يحق للمواطن التساؤل حول اهمية التمويل، ومآله، وطرق تفعليه.
صحيح ان التمويل بالمغرب كان ممنوعا (الفصل 18 من ظهير 15 نونبر 1958 ينص على انه “لا يمكن للأحزاب السياسية والجمعيات ذات الصبغة السياسية أن تتسلم بصفة مباشرة او غير مباشرة إعانات من الدولة او البلديات او جماعات عمومية او من المكاتب او المؤسسات العمومية). إلا انه منذ 22 دجنبر 1986 بموجب الرسالة الملكية الموجهة الى الوزير الاول تم إقرار فكرة التمويل العمومي للأحزاب السياسية. ومنذ ذلك الحين والأحزاب يتم تمويلها لإحداث تغييرات واثر ايجابي على حياة المواطن، ولكن ما حدث هو العكس، إذ انها تصارع فقط من اجل مصالحها الشخصية وتناست وظيفتها الدستورية والأخلاقية والوطنية.
في الدول الديمقراطية تلعب الأحزاب السياسية دورا مهما في صنع السياسات العمومية والتنموية، وكذا في تفعيل المقاربة التشاركية لاسيما في تزيد الحكومة بالآراء والمشورة في تحديد السياسات والبرامج، وصناعة القرار، بحيث ان الأحزاب في الدول الديمقراطية تكون السباقة او المبادِرة الى تبني وصياغة السياسات التي تهم مستقبل البلاد. والعكس صحيح في المملكة المغربية، بحيث نرى عكس ذلك حيث الأحزاب تستهلك الميزانية المخصصة لهم من التمويل العمومي بدون مبادرات فعالة وناجعة، وتنتظر قرارات من السلطات المركزية من اجل التحرك او المشاركة.
يحق للمتسائل او للمواطن ان يطرح اسئلة عدة عن مآل هذا التمويل، نعم لقد أصبحت العملية الانتخابية بكل وسائلها خاصة الإعداد للحملات الانتخابية وإدارتها باهظة التكاليف، خاصة في ظل تطور تقنيات إدارة وتدبير الحملة الانتخابية وما يواكبها من الترويج الإعلامي والتواصلي والتسويق السياسي. لكن في ظل هذه الحملة الانتخابية هناك انتشار عدة اوجه ومظاهر سلبية للحملات الانتخابية خاصة في ظل جائحة كورونا، ومن هذه المظاهر ما يصطلح عليه (بالزرقاء) خاصة في الاحياء الهامشية والمناطق الفقيرة والنائية حيث غياب الثقافة السياسية والوعي الانتخابي وفقدان الثقة بالأحزاب السياسية، وهنا نلاحظ غياب تام للأحزاب السياسية في تأطير المواطن حول مساوئ الرشوة وشراء الذمم وتخريب العرس الديمقراطي.
والحال ان كل المناطق سواء الغنية او الفقيرة او المثقفة او السياسية لا تثق في الأحزاب السياسية بسبب تاريخها الطويل في الوعود الكاذبة وفي التسيير والتدبير السيئ للشأن العام الوطني، وفي توزيع الرشوة، هناك مناطق (اموزار مرموشة) تعاني من غياب البنيات التحتية والمشاريع التنموية، ولكن واقع الحملة الانتخابية يقول العكس حيث يتم توزيع الأموال بشكل كبير وبإسراف لا يراعي القانون ولا الأخلاق ولا المسالة الوطنية.
الأكيد ان للمواطن دور كبير في تفشي الرشوة الانتخابية بسبب الإقبال والتهافت على اخذ فتات من المال كقوت ليومين او ثلاثة مقابل صوته لمدة 5 سنوات، وهذا من شانه ان يساهم في رهن البلاد بيد أشخاص غير قادرين على التدبير والتسيير، كما انه يساهم في تخريب العملية الديمقراطية التي يُوتخى منها تطوير وتحديث الدولة، والخروج بالوطن إلى بر الأمان في ظل الأزمات العديدة، وكذا تكالب الأعداء على الوحدة الوطنية. (وعليكم أن تعرفوا أن انتخاب رئيس الجهة وأعضاء مجلسها بالاقتراع المباشر، يعطيكم سلطة القرار في اختيار من يمثلكم. فعليكم ان تحكموا ضمائركم وان تحسنوا الاختيار، لانه لن يكون من حقكم غدا، ان تشتكوا من سوء التدبير، او من ضعف الخدمات التي تقدم لكم): من خطاب الملك بمناسبة الذكرى 62 لثورة الملك والشعب سنة 2015.
ومن مظاهر تبذير المال العام ايضا من طرف الأحزاب السياسية، وعدم احترام إرادة المواطن هو تعيين مرشحين عديمي الكفاءة لا يحسنون القراءة ولا الكتابة ولا السياسة ولا التدبير، كيف لمنتخب لا يحسن إتقان القراءة أن يعمل على التدبير الجيد للميزانية الترابية وان يساهم في قراءتها وتنزيلها على ارض الواقع وتكييفها مع ظروف الجماعة المعنية، وان يفكر ويبتكر في آليات مقاولاتية تُخرج الجماعة من ظروفها البئيسة. وفي بعض الأحيان نلاحظ ان هناك مرشحين يتقدمون فقط للحصول على تزكية دون نية مسبقة للمساهمة في التجويد والتغيير دون أي مراقبة من طرف الحزب المعني. لا يكفي أن يكون المنتخب المحتمل ضليعا في الخطابة اذا لم يكن يعرف طرق تشخيص المشاكل وتنزيل حلول لها، والتفاوض مع شركاء أجانب ومحليين لجلب رؤوس الأموال وتوطينها ترابيا.
انطلاقا من كل ما سبق، اقترح بعض الأفكار التي قد تساهم في تجويد الديمقراطية والانتخابات بالمغرب ولو بنسب قليلة:
تضمين قانون الأحزاب السياسية ضرورة ربط تزكية مرشح ما بمستوى دراسي ومعرفي مقبول، ومستوى سياسي وتدبيري مكتسب من بعض التجارب؛
إحداث خلية لمتابعة ومحاسبة المنتخبين الذين لم يقدموا أي نتيجة، بل وحتى محاسبة الأحزاب التي زكت أشخاص غير القادرين على إعطاء نفس جديد للسياسة والمساهمة في تدبير الشأن العام الوطني والمحلي، وإحداث تغيير مستحسن في الدائرة الانتخابية المعنية.
واختم بفقرة من خطاب الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة حينما قال “… بل اكثر من ذلك، فان تمثيل المواطنين أمانة عظمى على المنتخبين والأحزاب أداءها، سواء بالوفاء بوعودهم تجاه الناخبين او من خلال العمل على الاستجابة لإنشغالاتهم الملحة …”.
عذراً التعليقات مغلقة