المعركة
التخلي عن الإنتماء بين السند القانوني والعمق السياسي :
بقلم: عدي السباعي
أود أن اساهم في النقاش القانوني حول مسألة التخلي عن الانتماء الحزبي في إطار مساهمة في رفع منسوب النقاش المحلي والجهوي والوطني الى غاياته السامية بعيدا عن الحسابات الضيقة أو الإنتخابوية العابرة ،
وفي هذا السياق أود تقديم التوضيحات الثالية:
اولا : لا خلاف في المراجع القانونية التي أسس لها القانون التنظيمي للجماعات الترابية حول قواعد ضبط الإنتماء السياسي سواء من خلال مقتضيات المادة 51 وامتدادها للمادة 145 من نفس القانون التنظيمي التي تسري على مجموعة الجماعات الترابية وقبلها مؤسسات الجماعية الترابية، وهي مواد تستمد حمولتها الشرعية من الفصل 61 من الدستور، ومن أحكام المادة 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية ،
ثانيا : ولأن هذه القواعد القانونية لها سياق خاص مرتبط بالمجال الإنتخابي والسياسي فهي تبقى قواعد قابلة للتأويل لهذا نصت كل القوانين التنظيمية ذات الصلة بإحالة واجبة لقضايا التخلي عن الانتماء الى القضاء درءا لشطط التأويل واستعمال السلطة الحزبية أو المكفة بإنفاد القوانين في تقدير وترتيب الجزاءات ،،
ثالثا : ما المراد بالتخلي عن الانتماء ؟
سؤال كبير والجواب غير صريح لا في القوانين ولا في اجتهادات القضاء الدستوري ولا القضاء الاداري !!! ويبقى ما هو حاسم ومشترك في تفسير التخلي عن الانتماء لعضو منتخب جماعيا او برلمانيا هو تقديم استقالة من الحزب الذي اكتسب بإسمه العضوية أو في الحالة الثانية إعلان انتماء صريح لحزب أخر دون حسم الانتماء للحزب الأول ولهذا شرع المشرع المادة 21 من القانون التنظيمي للاحزاب السياسية التي تمنع الانتماء الى حزبين في نفس الوقت، وطبعا لم ترد حالة ثالتة في مختلف النصوص القانونية المعمول بها، ما عدا تمديد التأويل السياسي لتطويع قواعد قانونية ودسورية حاسمة تضمن في الأصل حرية الانتماء .
رابعا : العديد من القيادات الحزبية وطنيا وجهويا ومحليا تحاول تمديد مضمون هذه القواعد القانونية الصريحة شكلا والقابلة للتأويل مضمونا الى اعتبار اتخاد المواقف وحق التصويت داخل الأجهزة التداولية بمثابة تخلي عن الانتماء وهو تأويل غير صائب لأن الدستور حسم الأمر اصلا في مادته 30 حين اعتبر أن التصويت حق شخصي وواجب وطني ولم ينص على انه واجب حزبي أو حق قابل للتفويض أو التوجيه ، كما أن في المراجع القضائية أحكام حاسمة جعلت حق التداول والتصويت داخل المجالس المنتخبة بإرادة الأمة والمواطنين حق للمنتخب وليس للحزب أو للهيئة التي انتخب بإسمها، بمعنى أن التصويت تعبير عن قرار القاعدة الناخبة ،
وفي هذا السياق نحيل كمراجع الى احكام محكمة الاستئناف الادارية بالرباط عدد 7/ 7112 , وقرار محكمة الاستئناف الاداري بمراكش عدد 7212/ 1579 , والأكيد أن هناك أحكام أخرى أقرت إسقاط عضوية منتخبين لم يمتثلوا للقرار الحزبي في انتخاب هياكل الجماعات ، وهذا دليل على أن الوقائع والحالات تبقى محط اجتهاد قضائي لأن مفهوم التخلي عن الانتماء لا يستوعب الحمولة القانونية لتغيير الانتماء ولا يمتد الى حرية الموقف والتصويت ،
خامسا : ولأن سياق هذا النقاش القانوني هو ما تمخض عن انتحاب رئيس ومكتب الجماعات الترابية للتوزيع مؤخرا في جهة درعة تافيلالت على سبيل المثال ، وبعيدا عن القراءة السياسية للنتائج التي انتصرت لمنطق الغلبة وليس الأغلبية بمفهومها السياسي السليم ، فإن الأصل في مندوبي الجماعات هو تغليب صوت الجماعة الترابية التي يمثلونها وليس لونهم الحزبي لأن الأصل قانونا أن العضوية للجماعة وليس لمن يمثلها !!
هذا بعيدا عن استحضار الغاية الإستراتيجية لإحداث هذه المجموعات الترابية بأولوية تنموية وليس سياسية ضيقة، وهذا ما نصت عليه مقتضيات المادة 145 في فقرتها الأخيرة حين نصت على مراعاة خصوصيات مجموعات الجماعات الترابية، والراجح هو تفادي إسقاط الحروب الصغيرة في الجماعات على مجموعات الجماعات برهاناتها التنموية الإستراتيجية من قبيل الاشراف على احداث شركة جهوية للخدمات وضمنها توزيع قطاع الماء والكهرباء؟ فهل نسعى لتحزيب هذه الخدمات أم انتذاب كفاءات قادرة على استيعاب حساسية هذه الخدمات الإستراتيجية واستلهام منطق الدولة قبل الحسابات الحزبية والانتخابية العابرة عبر الهرولة نحو المواقع دون أفق ولا رؤية تنموية !!!
سادسا : لو سلمنا بضرورة إمتثال العضو المنتخب لتوجيهات هياكله الحزبية في اتخاد المواقف داخل الهياكل التداولية للجماعات الترابية أو باقي المؤسسات المنتخبة، ففي أي شرع قانوني يفرض على أعضاء حزب معين أو منتخبيه التصويت لحزب أخر وذلك تحت طائل الجبر والتهديد بموجب تحالفات حزبية مركزية أو جهوية لا تستند إلى أي مرجع قانوني ؟!!!
خلاصة القول الإنتماء السياسي الحقيقي تصنعه الديمقراطية الداخلية في الأحزاب وفي جعل القرار الحزبي بيد مستعمليه الحقيقين محليا وداخل المؤسسات المنتخبة لأن المشرع نص على تكوين الفرق داخلها لتصنع الموقف وتتخد القرار حسب الرهانات المرتبطة بالمؤسسة المعنية وليس الخضوع لإملاء قرارات مركزية أو جهوية تخدم تحالفات عابرة على حساب الساكنة وممثليها تحت استعمال فيثو التجريد في تأويلات تمطط القانون لخدمة أغراض حزبية وانتخابوية عابرة،
عذراً التعليقات مغلقة